Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
6 octobre 2013 7 06 /10 /octobre /2013 19:23

ملخص الدراسة

 

Sans-titre.png

تركز الدراسة التي نحن بصددها على نوع جد مهم من أنواع الاتصال الحديث ألا وهو الاتصال عبر الانترنت أو عبر الويب، هذا النوع من الاتصال الذي استطاع وفي فترة وجيزة من كسب اهتمام كبار الباحثين لما له من أثر قوي على الساحة الاعلامية والاتصالية، وما اعتماد المؤسسات باختلاف أنواعها العمومية والخاصة على هذا النوع من الاتصال الا لفاعليته وخصائصه ومميزاته التي وفّرت على القائمين بالاتصال الجهد والوقت وعلى المؤسسات المال الى حد كبير، لقد كان همّنا الوحيد في هذه الدراسة هو تسليط الضوء على هذا النوع من الاتصال من الناحية النظرية، اما من الناحية التطبيقية فأردنا معرفة واقعه في الجزائر، وذلك من خلال دراسته على مستوى الجامعة الجزائرية، وقد اخترنا جامعة الجزائر1 باعتبارها السبّاقة في هذا المجال مقارنة مع باقي الجامعات على مستوى العاصمة، مركزين على اشكالية دور الاتصال عبر الويب في تفعيل الاتصال المؤسساتي، وقد حاولنا الانطلاق من فرضية أن الاتصال المؤسساتي عبر الويب يسمح بإعطاء صورة أكثر وضوحا عن المؤسسة، وأن تسليم مهمة تسيير خلايا الاتصال في المؤسسة لغير المختصين يعرقل عملية نمو وتطور الاتصال المؤسساتي عبر الويب، وان العوامل الذاتية للمبحوثين (العينة محل الدراسة) تؤثر على نسبة استخدامهم لتكنولوجيا الاتصال الحديثة في المؤسسة المدروسة وبالتالي على الاتصال عبر الويب، كما انطلقنا أيضا من فرضية أن الاتصال عبر الويب حسّن مستوى الأداء الاتصالي للمؤسسة من حيث انه فعّل الاتصال بشقيه (الداخلي والخارجي)، وحسن محيط العمل. 

 

 

 

Résumé

La présente étude met l’accent  sur l’une des importantes formes de communication moderne, à savoir la communication web. Ce type de communication a pu attirer l’attention de plusieurs  chercheurs  dans un laps de temps très court, en raison de son grand impact sur la scène médiatique. En effet, son utilisation par les différentes entreprises, qu’elles soient publiques ou privées, relève de son efficacité et ses particularités qui permettent aux responsables de communication d’épargner beaucoup de temps et d’efforts et aux entreprises d’épargner  de l’argent.

Dans la partie théorique de cette étude, la lumière est mise sur ce type de communication. La partie consacrée à l’étude empirique, quant à elle, porte sur l’étude de la communication au sein de l’université d’Alger,  notamment au niveau de l’université d’Alger 1 qui était parmi les premières universités à utiliser ce type de communication.

Notre problématique porte sur le rôle de la communication dans la dynamisation de la communication institutionnelle. Pour y répondre, nous avons émis les  hypothèses suivantes :

La communication web permet à l’organisation de promouvoir son image

La gestion des cellules de communication des entreprises par des non spécialistes entrave le processus de développement de la communication institutionnelle à travers le web, car les éléments sociodémographiques des enquêtés influent sur le mode d’utilisation des nouvelles technologies au sein de l’organisation étudiée et donc sur la communication web.

La communication web améliore le niveau de communication institutionnelle en dynamisant les deux volets de communication, interne et externe, et en améliorant le climat de travail.

 

 

Partager cet article
Repost0
21 octobre 2012 7 21 /10 /octobre /2012 14:43

Médiatisation de la participation politique de la femme en Algérie, au Maroc et en Tunisie
(Rapport de synthèse de l’exercice média)


           Projet de renforcement du leadership féminin et de la participation des femmes à la vie politique et au processus de prise des décisions en Algérie, au Maroc et en Tunisie

 

 

Sommaire


Première partie : Contexte, objectifs et méthodologie
I-. Introduction....................................................................................... 5
II-. Les objectifs ...................................................................................... 7
III-. Définition de la participation à la vie politique.................................. 8
IV-. La problématique............................................................................... 9
V-. Les hypothèses................................................................................... 9
VI-.Méthodologie et grille d’analyse...................................................... 10
VII-.Echantillon....................................................................................... 12
Deuxième partie : médiatisation de l’activité politique des femmes
en Algérie, au Maroc et en Tunisie
I-. Analyse comparative de l’espace médiatique des trois pays............... 17
II-. Analyse comparative de la participation politique de la femme
. en Algérie, au Maroc et en Tunisie...................................................... 19
III-.L’activité politique des femmes algériennes, marocaines
. et tunisiennes à travers les médias...................................................... 22
1).Les profils médiatisés...................................................................... 23
A-.Dans l’audiovisuel, la femme membre du gouvernement,
. profil dominant............................................................................ 23
B-.Dans la presse écrite et la presse électronique, des profils
. plus diversifiés............................................................................. 25
C-.Des profils multiples, mais un discours plutôt général.................. 28
2).Attitude des médias vis-à-vis de la femme participant
. à la vie politique............................................................................. 30
A-.Attitude des médias audiovisuels, positive sur le plan
. du contenu, discriminatoire sur le plan de la forme..................... 30
B-.Attitude de la presse écrite et de la presse électronique :
. La femme participant à la vie politique, un centre d’intérêt
. typiquement féminin.................................................................... 32

Conclusions.............................................................................................. 37
Recommandations.................................................................................... 41
Bibliographie............................................................................................. 43
Annexes.................................................................................................... 45

Partager cet article
Repost0
16 octobre 2012 2 16 /10 /octobre /2012 10:56

رسالة ماجستير : صحافة المواطن والهوية المهنية للصحفي

 

 

 

الكاتب: فتيجة بوغازي   

رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر 3، كلية العلوم السياسية والإعلام، قسم علوم الإعلام والاتصال
إعداد فتيحة بوغازي وإشراف د. عبد الوهاب بوخنوفة


ملخص الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على مفهوم و جوانب من تطبيقات ما بات يطلق عليه "صحافة المواطن" كونه يمثل مظهرا جديدا كليا من مظاهر الإعلام الجديد، ليس في إطار دراسات علوم الإعلام و الاتصال فقط، ولكن في مجمل ما يحيط بهذا النوع المستحدث من الإعلام من مفاهيم، خاصة وأنّه مازال في معظم جوانبه حالة جنينية لم تتبلور خصائصه الكاملة بعد.
وتستعرض الدراسة مجموعة واسعة من التعريفات المتاحة حاليا، بما في ذلك ما كتبته الموسوعات والقواميس المتخصصة في التكنولوجيا، ثمّ تعرج الدراسة إلى استعراض تمثّل الصّحفي هويّته المهنية في ظلّ هذا الوافد الجديد "صحافة المواطن"، من خلال مسائلة مكانة الصحفي في مجال إعلامي تحكمه نماذج تواصلية أقل نخبوية، وقد أخذنا بعين الاعتبار مفهوم الهوية المهنية وحاولنا تحليله من منطلق مقترب التمثل، مستعينين في ذلك بآراء كبار علماء الاجتماع في مجال الهوية المهنية أمثال: "كلود ديبار Claude Dubar"و "سانسوليو R. Sainsaulieu" و"موسكوفيتشي S. Moscovici" و آخرون، و تقف الدراسة بالتحليل المبسط عند هذا المقترب.
وفي الأخير حاولنا الخروج بجملة من الخلاصات التي تلمس الفكرة الرئيسية التي تعمل من خلالها "صحافة المواطن"، وتمثّل الصّحفي الجزائري لهويته المهنية ولمستقبله وكذا مستقبل مهنة الصحافة في ظل انتشار ظاهرة صحافة المواطن" و بالتالي الإجابة عن التساؤلات المطروحة وتحقيق الأهداف المسطّرة في هذه الدّراسة. 

Partager cet article
Repost0
23 juin 2009 2 23 /06 /juin /2009 20:45

خطة الدراسة

  مقدمة:

   الجانب النظري للدراسة:

 البحث الاثنوغرافي:

 تعريف البحث الاثنوغرافي

 خصائصه

 مزايا وعيوب البحث الاثنوغرافي

 كيفية تطبيقه على جمهور الانترنيت

. أهم الدراسات الاثنوغرافية لجمهور الانترنيت

 دراسة ميلر و سلايتر"The internet: an ethnographic approach "

 دراسة بيرتيز "On line infidelity in internet chat rom : an ethnographic exploration"

  الجانب التطبيقي للدراسة:

الفضاء :  نادي الانترنيت بالإقامة الجامعية

 بطاقة فنية عن المكان

 أنماط وعادات استخدام الطالبات للانترنيت

استنتاجات

¨  خاتمة.

 

 

مقدمة:

مما لا يخفى على أحد أن القرن العشرين يمثل نقطة تحول كبرى في شتى مجالات الحياة بما فيها مجال الاعلام والاتصال، فبعد الإذاعة، التلفزيون ظهرت شبكة الانترنيت في ثمانينيات القرن الماضي والتي تمثل على حد تعبير عدد كبير من الباحثين قمة تلك التطورات وذروة ما توصلت إليه التكنولوجيا في هذا القرن نظرا للمزايا التي تحظى بها والخدمات التي تقدمها في شتى المجالات كالتعليم ، العمل، الصحة، الاعلام،التجارة، السياسة،وغيرها من الخصوصيات التي تميزها عن باقي وسائل الاعلام والاتصال الأخرى، هذا ما  جعل الباحثين يطلقون على هذا العصر تسمية " عصر الثورة المعلوماتية" أو " عصر الكونية"  تعبيرا عن قمة التطورات التكنولوجية.

     وفي ظل هذه التطورات عرفت الدراسات الإعلامية خاصة منها المتعلقة بتأثير وسائل الاعلام على الجمهور هي الأخرى طفرة نوعية،فبعدما كانت الدراسات فيما مضى تركز على المرسل "the Sender"  أو الوسيلة"medium" وتنظر الى المتلقي"Receiver" على أنه سلبي يتلقى،ويتأثر بكافة المضامين الإعلامية مباشرة وبصفة مطلقة، غيرت تلك الدراسات من مسارها أو وجهتها  حيث أصبحت تركز على المتلقي والعلاقات التي ينسجها الفرد مع الوسائل الإعلامية، و أصبح ينظر الى المتلقي إثر ذلك على  أنه ايجابي ، نشط وفعال في اختيار المضامين الإعلامية التي تتناسب مع حاجاته ورغباته.

 وفي خضم هذه التطورات وأمام عجز الدراسات والبحوث الامبريقية - الكمية في دراسة وتفسير السلوكيات الاتصالية للمتلقي،وكيفية تفاعله مع الرسائل الإعلامية التي يتلقاها من مختلف الوسائل الإعلامية،ظهر توجه جديد في دراسة سلوك  المتلقي أو الجمهور يتمثل في المنظور أو المقترب الاثنوغرافي في دراسات الجمهور، فكانت البداية مع الأبحاث التي أجراها "دافيد مورلي" في منتصف الثمانينيات حول الاستعمالات الأسرية للتلفزيون وما طرحه من مفاهيم ( سياق المشاهدة Viewing)،(السياق المنزلي context) ، (الديناميكية العائلية) ، ولتستمر البحوث الاثنوغرافية فيما بعد خصوصا مع رواج الانترنيت  مع نهاية القرن الماضي وبداية القرن الواحد والعشرين، ولاستخداماتها الواسعة من قبل فئات المجتمع خاصة الشباب والأطفال،وظهور مفاهيم أخرى جديدة كالجمهور الاليكترونيE-audience، والجمهور القادر على التواجد في الزمان والمكانUbiquitous audience وغيرها من المفاهيم الجديدة المتعلقة بالجيل الاليكتروني،ومن بين تلك الدراسات الدراسة الاثنوغرافية  التي قام بها ميلر سلايتر حول استخدام الانترنيت في العمل ولدى الأطفال في منطقة  ترينيداد، ودراسة بيتريز حول دور منتديات الدردشة في تغيير النسيج الاجتماعي وبناء علاقات عاطفية جديدة ، إضافة الى العديد من الدراسات اللاحقة والتي أنجزت ولازلت تنجز من أجل معرفة كيفية تفاعل الافراد مع الانترنيت والآثار التي  تحدثها على سلوكياتهم واتجاهاتهم.

     وفي هذا السياق وكمحاولة منا لتطبيق المنهج الاثنوغرافي في دراسة الجمهور الجزائري وكيفية استخدامه وتفاعله  مع شبكة الانترنيت،أخذنا فضائين اثنين ممثلين في فضاء الطالبات من خلال الإقامة الجامعية كفضاء شبه عمومي،وفضاء جزئي ممثل في أسرة واحدة كعينة للدراسة ،وعليه نطرح التساؤل الجوهري التالي:

ما هي أنماط تفاعل الطالبات المقيمات في الحي الجامعي مع الانترنيت؟ أو بالأحرى كيف تتفاعل  الطالبات الجامعيات المقيمات بالحي الجامعي مع مضامين شبكة الانترنيت؟وما هي الآثار التي تحدثها على سلوكياتهم واتجاهاتهم؟


 
1/ البحث الاثنوغرافي:

تعريف الاثنوغرافيا:  ويقصد بها وصف جماعة  ما ، بمعنى محاولة الإجابة عن أسئلة تتعلق بحياة الجماعة أو الافراد وهي بذلك تربط بين الثقافة والسلوك الإنساني عبر فترة زمنية معينة وتركز على معارف تفصيلة حول حقائق الحياة الاجتماعية من خلال عدد صغير من الحالات يدرسها الباحث بمعايشة الجماعة.(1)

تعريف البحث الاثنوغرافي:

يعرف البحث الاثنوغرافي بأنه طريقة أو أداة لفهم أساليب وطرق مجتمع ما في الحياة اليومية، وذلك من خلال معرفة الأفكار أعضائه ومعتقداتهم وقيمهم وسلوكياتهم، وما يصنعوه من أشياء وكيف يتعاملون معها ويتم ذلك عن طريق الملاحظة في الوضع الطبيعية لحياتهم.

يعتمد البحث الاثنوغرافي على الوصف والتحليل باستخدام الكلمة والعبارة عوضا عن الأرقام والجداول الإحصائية،وتتركز أهميته في كونه يقدم لنا وصفا مكثفا  للظاهرة محل الدراسة،وكما و يسعى البحث الاثنوغرافي إلى الكشف عن غير المتوقع أو " المستور" من خلال دراسة الظاهرة، اعتمادا على مشاركة الباحث المتعمقة لمجتمع البحث أو الدراسة، ولكونه الأداة الأساسية والرئيسية في جمع المعلومات ، تصنيفها وتحليلها.

كما يقوم على  مفهوم مشاركة أو إشراك المبحوثين بطريقة مباشرة في الدراسة  وتقديم وجهة نظرهم بصورة شمولية وفاعلية، فليست مجريات البحث وأسئلة مشتقة من رؤية الباحث وخلفيته الثقافية والفكرية، بل على العكس من ذلك المتوقع من الباحث الاثنوغرافي أن يكون قادما إلى حقل الدراسة بعقلية ثقافية ومعرفية مفتوحة، وتنصب مهمته في معايشته مجتمع الدراسة بصورة متكاملة( عن طريق الملاحظة بالمشاركة) ويبحث ويتولى نقل ووصف ما يشاهده وسمعه من خلال تسجيله للملاحظات والآراء والأفكار والمقترحات والرؤى من داخل ميدان الدراسة.

 خصائص البحث الاثنوغرافي:  تتطلب الأبحاث الاثنوغرافية آليات معينة كـتدوين المشاهدات والملاحظات

 إجراء أو استخدام المقابلات العميقة مع المبحوثين من أجل جمع البيانات

 و تتم عملية جمع المعلومات وتحليلها في المنهج الاثنوغرافي بشكل مختلف عنها في البحوث الكمية، ففي الغالب تمر عبر أربعة مراحل متداخلة وغير منفصلة عن بعضها البعض وبشكل تكاملي، حيث يتم جمع المعلومات في المرحلة الأولى ومن ثم تنظيم المعلومات وتصنيفها في المرحلة الثانية، ثم مرحلة عرض المعلومات، اختصارها وتقديمها على شكل مصفوفات وأفكار محورية، والمرحلة الأخيرة تتصل بعملية استخلاص النتائج وعرضها والتأكد من تطابقها.و  ضمن إطار المرونة التي يتيحها المنهج الاثنوغرافي للباحث إمكانية تغيير خطة الدراسة وتصميمها بل وتغيير أسئلتها .(2)

 ربط البيانات والوقائع بالمفاهيم واستخلاص النظريات والمعارف من الميدان

 ربط النتائج المستمدة من دراسة مجموعات معينة في سياق أكبر.

ويقوم المنهج الاثنوغرافي على مجموعة من الخطوات"

        اختيار الحالة أو الظاهرة محل الدراسة

        طرح الأسئلة

        جمع البيانات

        عمل سجّل للبحث الاثنوغرافي

        تحليل البيانات

       كتابة التقرير النهائي

   مزايا و عيوب البحث الاثنوغرافي :

¨   المزايا:

        عدم وجود فرضيات مسبقة

يعتمد على المعايشة المباشرة للباحث.

    يقوم على دراسة حالة واحدة في المجتمع أو جماعة معينة.

     يتم في البيئة الطبيعية للسلوك الاتصالي.

    يهدف الى فهم السلوك الاتصالي.

        يعطي تحاليل دقيقة وعميقة.


   العيوب:

    يتطلب وقتا طويلا وجهدا طويلا

        صعوبة التعامل مع المبحوثين ( اللغة، العادات والتقاليد، الديانات..)

         خلفية الباحث قد لا تسمح له بالمشاركة في بعض النشاطات والممارسات

   وجود الباحث وسط الجماعات قد لا يجعل المبحوثين يتصرفون بتلقائية كما هم في حياتهم العادية

         وجود الباحث لفترة طويلة ضمن جماعة ما قد يجعله يتعاطف مع المبحوثين ويتخلى عن الموضوعية

        أنه يتطلب مهارة عالية في الملاحظة والتسجيل.(1)

 

 كيفية تطبيق المنهج الاثنوغرافي في دراسات الجمهور:

         عندما نتحدث عن المنهج الاثنوغرافي فإننا نقصد مجمل المناهج التجريبية التي بواسطتها يقيم الإثنولوجي في حالة البحث الميداني ، العلاقة ذات المردود العلمي الأكثر بينه و بين ميدانه.(1)

و يتضمن مفهوم البحث الميداني الاثنوغرافي فكرة البحث الميداني المباشر الذي يقوم به الإثنولوجي في سياق علاقة معايشة في الميدان، فالبحث الاثنوغرافي إذا هو بحث اجتماعي يتميز بالانخراط العميق للباحث في حياة الناس لفترة من الزمن يراقب ما يحدث و يسمع ما يقال، يسأل الأسئلة و يجمع ما يمكن من البيانات بهدف تسليط الضوء علي قضايا محورية في البحث.

يتضمن المنهج الاثنوغرافي جمعا مكثفا للبيانات أي جمع البيانات عن العديد من المتغيرات على فترة زمنية معينة محددة وفي وضع طبيعي ويقصد بمصطلح الوضع الطبيعي أن متغيرات البحث يجري استقصاؤها في الموقع الذي تحدث فيه بشكل طبيعي وأثناء حدوثها وليس في بيئة وضعها الباحث في ظروف شديدة الضبط.

        و عند القيام بدراسة  اثنوغرافية حول جمهور الانترنيت فإن الباحث يقع في حدود البحث الكيفي السوسيولوجي لمجرد الفهم و بث البحث الإجرائي، كون الفهم و المشاركة في التغيير نحو الأفضل، و بالتالي فإنه يختلف  في المنهجية و الأهداف عن الأبحاث الكمية.

يقوم الباحث الاثنوغرافي عند دراسة جمهور الانترنيت أو جمهور الواب بمعايشتهم و هذا لفترة من الزمن، وهذا بهدف توضيح أنماط وكيفيات استخدام الافراد لشبكة الانترنيت  و تفسير سلوكياتهم و المعتقدات و الاتجاهات و التمثلات الثقافية و الإدراك و الدوافع الخاصة بالأفراد و كذلك التأويلات والتفسيرات المختلفة التي يعطيها الافراد عند استخدامهم لها، ولدراسة جمهور الانترنيت لابد أن يعتمد الباحث على مجموعة من الأدوات الخاصة بجمع البيانات  والتي من أهمها :

الملاحظة: تعتمد تقنية الملاحظة علي تسجيلات للقطات أحيانا حول محادثات مناسباتية و غير رسمية، فالملاحظة تستعمل في حالات معينة خاصة المواضيع السلوكية، حيث تهتم بالإجابة علي السؤال كيف؟ لتقدم تفسيرا للسلوك في بعده الكيفي. (2)

و يمكن أن تكون مباشرة أو غير مباشرة من أجل تقليل تأثير الملاحظ حول سلوك المستخدم  و الملاحظة مستعملة عادة في الدراسات الاثنوغرافية كتقنية أساسية من تقنيات البحث من أجل ملاحظة القواعد الثقافية الخاصة باستعمال كافة وسائل الاعلام بما فيها إذاعة، تلفزيون وانترنيت لمعرفة كيف يتحدث الناس عن استعمالهم لها و معرفة التفاعل الحاصل  بين الوسيلة إعلامية و المتلقي لمضامينها و محتوياتها أو الجمهور.

تعد الملاحظة تقنية أساسية و مباشرة للتقصي عن معلومات بصفة مباشرة حول جمهور المستمعين و ذلك بهدف أخذ معلومات كيفية من أجل فهم المواقف و السلوكيات، كما يمكن للملاحظة أن تكون  في عين المكان و تأخذ أشكالا عديدة " الملاحظة بالمشاركة أو من دون مشاركة، الملاحظة المستترة أو المكشوفة"

      ويتم ملاحظة جمهور الواب في العديد من الفضاءات والأماكن كمقاهي الانترنيت العمومية"Cyber Café" و الأسرة، حتى نوادي الانترنيت المتواجدة على مستوى المدارس، الجامعات، الاقامات الجامعية...

      والأداة الثانية التي يمكن استخدامها أيضا لدراسة جمهور الانترنيت هي المقابلة العلمية لما تحظى به  من مزايا في إمكانية التعرف على  المشاعر و الآراء في وضعية ما أو مشكلة ما أو سلوك ما ...الخ و المقابلات مهمة و مواتية في الدراسات الاثنوغرافية خصوصا لمعرفة كيف أن الناس يدركون أو يتمثلون مشكلة أو سلوكا لفهم مسببات إعلامية ( الدوافع و الأطر المفاهيمية التي تحدد السلوك) و لدراسة جمهور المستمعين إثنوغرافيا فإن المقابلة تقنية مباشرة تستعمل من أجل مساءلة الأفراد بكيفية منعزلة لكن أيضا مساءلة جمالية بطريقة نصف موجهة تسمح بأخذ معلومات كيفية بهدف التعرف العميق علي الأشخاص المبحوثين.


.  أهم الدراسات الاثنوغرافية لجمهور الانترنيت:

        "Daniel Miller and Don Slater " دراسة لـ: 

"The internet: an ethnographic approach"بعنوان 

 أنجز هذه الدراسة كل الباحثين ميلر سلايتر وتمحورت دراستهما  استخدام شبكة الانترنيت في "جزيرة ترينيداد " ، الدراسة تعرضت إلى استعمال شبكة الانترنيت من قبل سكان ترينيداد .

الباحثان لم يهتما بآثار هذه الوسيلة الإعلامية الجديدة على الافراد ،بل بدلا من ذلك تجاوزاه الباحثان الى السؤال عن كيفية سعي ثقافة محلية الى إيجاد مكان لها  يتناسب مع خصوصياتها  في محيط اتصالي يتحول باستمرار، وعن سعي هذه الثقافة في هذه الثقافة في نفس الوقت لقولبة هذا المحيط وإدماجه في خصوصياتها المحلية .

 وقد بدأ الباحثان دراستهما من جزيرة  ترينيداد  نظرا لتوفر الظروف والشروط حتى تدرس بطريقة  اثنوغرافية ( لأنها محدودة من حيث المساحة ،كما أنها محدودة التطور من حيث التطور في مجال استخدام الانترنيت باعتبار أنه  لم يمض على دخولها الى الجزيرة سوى  سنوات قليلة، و لمحدوديتها  أيضا في الاقتصاد والسياحة ) والتي رغم ذلك تمكنت من الوصول الى تكنولوجيا الاتصال.

توصل الباحثان الى ان الانترنيت الواقعية في ترينيداد تمكنت من تحقيق مكاسب كبيرة من خلال إنتاج المواد التي تسمح لهم بفهم عوالم اجتماعية مختلفة تماما عن ترينيداد .

-    توصل الباحثان أيضا الى ان الانترنيت كان لها الدور الكبير في تطوير العلاقات داخل العائلة،الصداقة ، العمل والترفيه ، إذ اعتبر الباحثان الانترنيت أفضل مورد للتعبير عن الهوية الشخصية

-         -اعتبر الباحثان الانترنيت منبرا شرعيا للاطلاع على المسرح العالمي .

  تطرق الباحثان أيضا الى كيف يمكن للترنيداديين المحافظة على الهوية والكرامة الوطنية ومواجهة مظاهر العولمة والحرية في نفس الوقت .

- بالنسبة للمراهقين توصل الباحثان إلى ان الانترنيت قد ساعدت الأطفال والمراهقين على  الاطلاع على الثقافة الموسيقية الأجنبية وإيجاد مكان لأنفسهم وإعادة الاعتبار لأنفسهم ضمن الهوية الوطنية .

-         صاغ الباحثان اثر استخدام شبكة الانترنيت في الجزيرة  في مجموعة من النقاط تتمثل في :

-    البعد الأول : كيف ان الانترنيت سمحت للترينيداديين للتعبير عن هويتهم سواء على الصعيد الشخصي والاجتماعي ( القرابة، الدين والتجارة...) و مكنتهم من الحفاظ على العلاقات الشخصية من خلال خدمة الشات

-    على المستوى الديني كان لاستخدام الانترنيت دور كبير في تنمية المشاركة الاجتماعية، إذ جعلت الشعوب يشعرون بالانتماء الى المجتمع من خلال الاندماج في الشبكات الدولية .

-         ربط الباحثان استخدام الانترنيت في ترينيداد بالسياق الموجودة فيه

-    كما توصل الباحثان الى نتيجة مفادها ان الانترنيت قد ساعدت على تعزيز الهويات التقليدية القديمة ، العائلية، الدينية والوطنية إلا أنه قد يكون لها في بعض الحالات اثر سلبي فقد تلعب الانترنيت دورا كبيرا في تعطيل الهيكل أو التنظيم الاجتماعي من خلال بعض المواقع المجهولة الهوية .

-    ومن بين أهم النتائج التي توصل اليها الباحثين من خلال دراستهما الاثنوغرافية لاستخدام الانترنيت في ترينيداد  أنه كان هناك تبني سريع واهتمام ملحوظ من قبل الافراد بالتكنولوجيا الحديثة.

-    كما توصلا الباحثان الى ان هناك سلوك متحرر في جزيرة ترينيداد فيما يتعلق باستخدام الانترنيت انعكس في أطفال المدارس والعمال داخل مقرات عملهم .(1)

 

       Beatriz.L.A. Milcham دراسة لــ        

  "On line infidelity in internet chat room :an ethnographic exploration"بعنوان  

         وقد نشرت الدراسة في مجلة Computer in human behavior  العدد 23 عام 2007، وتناولت الدراسة طبيعة التفاعلات الاجتماعية التي تتم عبر منتديات الدردشة، ودورها في تغيير النسيج الاجتماعي وفي بناء علاقات عاطفية، كما ركزت الباحثة على انعكاسات ذلك على العلاقات الزوجية، وبينت الدراسة أيضا أن هذه الاتصالات لها دور كبير في التقليل من الوفاء بين الزوجين، وبالتالي إحداث عدة مشاكل اجتماعية، ولكل ذلك انعكاسات على النسيج الاجتماعي مما يؤدي الى إحداث فجوة وتفكك اجتماعي كبير.(2)

 

اثنوغرافية جمهور الانترنيت:

ومن أجل تطبيق المنهج الاثنوغرافي  لمعرفة أنماط وعادات استخدام الافراد للانترنيت من خلال دراسة عينتين اثنتين أو فضائين اثنين يختلفان عن بعضها البعض فالأول فضاء شبه عمومي يتمثل في فضاء نادي الانترنيت بالحي الجامعي، والفضاء الآخر جزئي( الأسرة) :

الفضاء الأول: نادي الانترنيت بالإقامة الجامعية  للبنات "جيلاي اليابس"         وكان ذلك من خلال إجراء ملاحظات بالمشاركة و"بدون مشاركة" ،إضافة إلى مقابلات علمية مع  الطالبات المقبلات على نادي الانترنيت ، خلال فترة زمنية امتدت من 20 ماي إلى 24 ماي، وكان ذلك من خلال تنقلنا يوميا وخلال ساعات عمل مقهى الانترنيت والتي حددت وفق النظام الداخلي للإقامة الجامعية : بكل يوم من الواحدة زولا إلى الخامسة مساءا ( 13:00 ــــــــــ 17:00 ) ومن السابعة مساءا  إلى الحادية عشر ليلا ( 19:00 ـــــــــــــــ 23:00) ،  ما عدا يومي الخميس الذي حددت فيه ساعات عمل النادي من التاسعة صباحا إلى الواحدة زولا ( 09:00 ــــــــــــ 13:00) ومن الخامسة بعد العصر إلى الثامنة ليلا ( 17:00  ـــــــ20:00) . وتم تقسيم فترات الدراسة وفق الشكل الآتي:

اليوم الأول : الاربعاء20 ماي2009 ( من الساعة الواحدة الى الخامسة مساءا)

تنقلنا إلى المقهى عند الساعة 12:45 قبل فتح أبوابه بدقائق من أجل معرفة  بعض الخصائص الظاهرية للطالبات المقبلات على  نادي الانترنيت،وطبيعة المواضيع التي يتم إثارتها قبل أن يلجن عالم الواب. وصلنا المكان فوجدنا ثمانية طالبات متجمعات أمام النادي، بانتظار وصول المكلفة بشؤونه لتفتح لهم الباب وتأذن لهم بالدخول .  ومن بين ما تم ملاحظته بمجرد وصولنا إلى المكان طالبتين كانتا منهمكتين في الحديث حول ما تمثله لهما الانترنيت وما هو التغيير الذي أحدثته على حياتهما، من بين ما تحدثا عنه الطالبتين:

الطالبة الأولى: آه،أمال لو تعرفين ما تعنيه لي الانترنيت،صراحة لا أستطيع أن أتصور حياتي من دون أن تكون لي ولو طلة لساعة واحدة على الشبكة.

الطالبة الثانية: حتى أنا، لن أتوقع حياتي من دونها، سأجبر والدي هذا الصيف على إدخال خط انترنيت إلى المنزل.

وفي هذه الأثناء وصلت المكلفة بالنادي،فتحت الباب ،دخل الطالبات وحجزت كل واحدة منهن مكان (للإشارة عدد أجهزة الكمبيوتر الموجودة بالمقهى 14 جهاز ، 8 منها معطلة+ جهازين خاصين بالمسؤولة عن النادي) ، دخلنا المقهى وجلسنا في كراسي الانتظار في انتظار أن يحين دورنا ( بعد ساعة من الزمن) إضافة الى طالبتين آخرتين، وبدأنا في إجراء ملاحظتنا على الطالبات الستة اللواتي حجزن مقاعد وفتحن صفحات الانترنيت:

   بالنسبة للجهاز الأول: بمجرد دخولها الى القاعة جلست إلى الجهاز رقم (1)، اتجهت مباشرة نحو محرك البحث "Google" وبدأت في كتابة الكلمات المفتاحية لموضوع كانت تبحث عنه وانطلقت في البحث وتغيير الصفحات الصفحة تلو الأخرى، وكانت بين اللحظة والأخرى تتوقف من أجل التمعن وقراءة كل ما عرض على الشاشة ثم تكتب قليلا  على كراستها ، كما كانت في بعض الأحيان تنادي صديقتها" سعيدة أنظري لقد  وجدت كل ما كنت أبحث عنه ، هل أحضرت معك flash desk ، حتى أسجل هذا المعطيات بداخله"، تتوقف ثم تردف قائلة " أوه لقد ارتحت وجدت بحثا جاهزا، لو عرفت أن الأمور هكذا لما أتعبت نفسي منذ السنة الأولى وتحصلت على كافة  البحوث جاهزة دون أن أكلف نفسي عناء البحث عن المراجع والكتب  من الأساس". تجيبها زميلتها" خذي الـ فلاش ديسك، وارحميني بسكوتك، فأنا لست في موضع يسمح لي بالأخذ والرد معك أنظري فقد دخلت على الخط وأنا بصدد خلق صداقات جديدة مع طلبة من تونس ومصر ولبنان لمساعدتي في أمور الدراسة  ،لعلي أستفيد منهم في بعض المواضيع ، فرصة لا تعوض ..." ،  وبمجرد إجابتها هذه حوّلنا أنظارنا إليها والى الجهاز الثاني فلمحنا من بعيد أنها قامت بفتح عدة نوافذ على منتديات الدردشة عبر المواقع العربية.

أجابتها زميلتها" هاتيه وعودي الى عالمك الخيالي فإنه من الواضح أنك تعيشين في عالم  الأحلام والأوهام ، فلن تستفيدي من كل ذلك".

الطالبة الثانية: " أعيش في الأحلام على الأقل أنني أتعامل وأراسل شخصيات أحسن منكن رغم عدم معرفتي بهم ولا معرفتهم هم بي "، وتحيل انتباهها  ثانية إلى الشاشة.

أما الجهاز الثالث: فقد جلست إليه طالبة من الواضح عن طريقة جلوسها وانتباهها إلى كل ما كان يعرض في الشاشة أنها حضرت من أجل البحث عن موضوع مهم ، وأنه لا بد أن تتحصل علي بعض المعلومات اليوم وفي هذه الأثناء بأي طريقة، فبمجرد جلوسها انطلقت في عرض الصفحات وقراءتها قراءة سريعة وتدوين بعض المعلومات والإحصاءات،ومن ثم تسجيلها عل" الفلاش ديسك" واستمرت على كل هذا المستوى من الانتباه مدة 45 دقيقة، وكانت تتصفح جميع صفحات الواب التي تعرض أمامها وعندما تظهر أمامها صفحة منتدى ما تسجل بسرعة،حتى تتمكن من الانتقال الى الموقع الموالي،...

الجهاز الرابع:جلست حوله طالبتين اثنتين وما إن جلستا حتى قالت إحداهما للأخرى  أسرعي، أضغطي على نافذة الـ MSN وادخلي على الخط ستجدين زملاؤنا الافتراضيين هم أيضا على الخط، وفور ذلك دونت الطالبة الأولى عنوانها ودخلت في التحاور على الخط وبدأت في الدردشة مع زملاؤها تارة تأخذ هي لوحة المفاتيح وتكتب وتارة أخرى تفتكها منها زميلتها وتبدأ هي الأخرى في الكتابة واستمرتا على نفس الحال قرابة ساعة كاملة  ومن باب الإشارة كنا بين الفينة والأخرى نسمع بعض القهقهات والضحك وهذا بعد أن يقرآ الرسائل التي كانت تصلهما وبدافع الفضول ومن أجل معرفة سبب ضحكهما وقهقهتهما حملنا كرسينا واقتربنا قليلا منهما فأدركنا أن السبب الذي يجعلهن يضحكن بهذه  الطريقة هو كيفية التلاعب بهويتهما والدردشة الجماعية مع العديد من الأشخاص في نفس الوقت.

 أما الجهاز الخامس: فقد جلست حوله الطالبة التي كانت تتحدث عن الانترنيت وما أصبحت تمثله لها في حياتها ( قبل  فتح باب النادي) ، وفور جلوسها الى الجهاز سارعت الى فتح عدة نوافذ نافذة الـ MSN  ، SKYPE ، WEB SMS، FACE BOOK...وغيرها من النوافذ وكانت تفتح الواحدة تلو الأخرى وبعد أن تسجل في كل نافذة تقلصها وتنتقل الى الأخرى، وبعد أن أتمت فتح الصفحات التي كانت تريدها بدأت في الكتابة والاطلاع على كل ما وصلها من بريد،رسائل ،صور ... وغيرها، مع ابتسامة لم تفارق شفتيها إطلاقا ماعدا لحظة مقاطعة زميلتها لها حتى تعلمها بعض التقنيات في الكتابة والمراسلة.

أما الجهاز المجاور لها : فقد كانت تجلس حوله زميلتها التي كانت تتحدث معها في الخارج حول الموضوع ( أهمية الانترنيت في حياتهما)،هي الأخرى ما إن جلست اتجهت مباشرة الى مواقع الدردشة العربية ( كموقع (  amitie.ar، وبدأت في ملء قائمة التسجيل والمراسلة بتركيز كبير حتى أنها لم تدير رأسها يمينا أو شمالا ولم تنتبه للوقت إلا عند الالتفات الى زميلتها فقط من أجل الاستفسار عن بعض الأمور.

 ما لاحظناه أيضا وخلال تواجدنا لمدة ساعة كاملة بانتظار دورنا نحن أيضا في الجلوس الى أجهزة الكمبيوتر،الهدوء الكبير الذي عم المكان، إلا أنه في بعض الأحيان كانت تسود بعض الفوضى ،والسبب يعود لفتاة وصلت فتح النادي بحوالي ربع ساعة ، ومنذ دخولها وهي تتنقل من فتاة الى أخرى طالبة منهن الإذن لمدة دقيقتين من أجل فتح علبة بريدها الاليكتروني لكن بمجرد أن تمسك "الفأرة "في يدها حتى تفتح المنتدى تقرأ قليلا مما كتب عليه ، تشكر الفتاة التي أذنت لها باستخدام الجهاز وتنتقل الى فتاة أخرى طيلة الساعة الأولى وتكرر نفس الحركة مع البقية الى أن وصلت الى الطالبة السادسة وطلبت منها الإذن لها بفتح بريدها الاليكتروني، لكن يبدو أن الطالبة التي كانت تجلس الى الجهاز تفطنت الى حيلتها فرفضت ذلك وأمطرتها بوابل من الاهانات والشتائم بسبب مقاطعتها لها وزيادة على ذلك أنها تستغل وقت أفراد الفوج الأول رغم أنها ستدخل مع أفراد الفوج الثاني، مما جعل تلك الطالبة تتنحى جانبا وتعتذر . وبعد مضي ساعة منذ دخول  الفوج الأول تدخلت المسؤولة عن النادي وطلبت من الفوج الأول المغادرة والسماح للفوج الثاني بالجلوس فقد انتهى دورهن، في هذه اللحظات بدأت كل طالبة في غلق النوافذ والصفحات  التي فتحتها والاستعداد للخروج ( عدا الطالبتين الاثنتين اللتان وبالرغم من إشارة المسؤولة على أن الوقت قد انقضى إلا أنهما لم تغلقان النوافذ التي فتحاها إلا بعد أن تقدمت منهما طالبتان اثنتان لتأكدا لهما أن الوقت المخصص لهما قد انقضى وحان دورهما هما. مما جعلهما يتفطنان لذلك ويقومان بغلق كافة النوافذ المفتوحة، ولكثرتها لم تنتهيا من  ذلك إلا بعد حوالي 3 دقائق أخرى.

بعد مرور 8دقائق( حوالي الثامنة وثمان  دقائق) جلس الفوج الثاني والذي كنا  نحن من بينه ، حجزنا جهاز يمكننا من ملاحظة كافة الطالبات المتواجدات بالقاعة، من خلال ملاحظة الصفحات التي أبحرن فيها، حيث وبمجرد جلوسهن الى الأجهزة بدأن في فتح صفحات الواب وبدأنا من الجهاز الذي يجاورنا حيث جلست حوله طالبة، اعتدنا تواجدها في النادي كلما حضرنا إليه وما إن جلست إلى الجهاز حتى سارعت الى فتح صفحة اليوتوب"youtube" وأخذت في تصفح صور الفنانين والفنانات المشارقة،وكانت تدير رأسها لزميلتها  التي تجلس أمام الجهاز المجاور لها حتى تطلب منها رؤية الصور التي تم تحميلها على موقع اليوتوب، " أنظري الى الصور التي تم تحميلها على موقع اليوتوب صور رائعة لـ"إيليسا" و"نانسي عجرم"،" هيفاء" ،" تامر حسني " إنها صور جديدة لم أراها من قبل، أنظري ما أجملها، وحتى لباسهم لم أرى في حياتي صور أجمل من هذه الصور

  الطالبة الثانية: أمن أجل الاطلاع على صور الفنانين أتعبت نفسك وأتيت الى هنا، أنا لا أتعب نفسي  من أجلهم أساسا على الأقل أدردش مع أشخاص من مستواي الاجتماعي وأكوّن صداقات جديدة مع شباب بسطاء مثلي.وأعادت نظرها الى جهازها وفتحت صفحة موقع الدردشة جزائري. وانشغلت في التحاور مع عدة أشخاص من مختلف المناطق والهويات.

أما الجهاز الثالث فقد جلست حوله هذه المرة طالبة ،وبمجرد جلوسها الى الجهاز سألت الطالبة التي كانت تجلس بجوارها عن كيفية فتح" علبة بريد الكتروني"، نهضت الطالبة المجاورة لها عن جهازها واستقلت مكان أمامها على نفس الجهاز، وبدأت تعلمها طريقة فتح علبة بريد الكتروني على محرك البحث "Yahoo" واستمرتا قرابة نصف ساعة من الزمن وخلال تلك الفترة كانتا يتحدثان عن الدور الذي أصبح يلعبه البريد الاليكتروني في تسهيل عملية المراسلة،  فحسبها البريد الاليكتروني عوض الرسائل القصيرة وحتى المكالمات الهاتفية،وبعد أن انتهت من فتح علبة البريد عادت الى جهازها وفتحت صفحة الوابsms ، وأخذت في مراسلة زملاؤها.

أما الجهاز الرابع فقد حجزته ثلاث طالبات معا ومنذ جلوسهن أخذن في القهقهة والضحك حاولنا التعرف عن السبب الذي جعلهن يضحكن بهذه الطريقة اقتربنا منهن قليلا وحتى لا نثير الانتباه طلبنا منهن سيالة للحظات ثم نعيدها، وأخذنا نصغي لحوارهن وبصعوبة أدركنا أنهن ولجن الى منتديات الدردشة العالمية وسبب ضحكهن يعود  الى كيفية التلاعب  بهويتهن وتغيير أدوارهن ، إذ كانت كل واحدة تقترح  للأخرى شكل لهويتها المزيفة، فكانت تقول إحداهن للأخرى قولي أنك متحجبة تقاطعها لا قولي أنك غير متحجبة وأن سنك 18 سنة، لا تخبريهم الحقيقة وصفي عينيك بالزرقوتين وقامتك بالرشيقة و...بعد مرور نصف ساعة من جلوسهن وبسبب الضجيج الذي أُثرنه داخل القاعة تقدمت منهن المسؤولة عن النادي وطلبت منهن القليل من الهدوء لأنه في النادي هناك  طالبات حضرن من أجل الدراسة ، وإلا ستقوم بإخراجهن وطردهن.مما اضطر البنات الى الهدوء قليلا لكن بعد مدة قاربت خمس دقائق عاودن الضجيج والصراخ فأخرجتهن المسؤولة من القاعة بالقوة.

  وعلى الجهاز المجاور لهن جلست طالبة ما إن جلست حتى بدأت في الاشتغال على محرك البحث غوغل "Google"والبحث عن موضوع يهمها بتمعن وانتباه.

وفي آخر القاعة وحول الجهاز الأخير جلست طالبة فتحت هي الأخرى صفحة MSN   ودخلت على الخط وبدأت في البحث عن الأشخاص المسجلين على قائمتها (إن كانوا على الخط أم لا). وبسرعة فائقة أخرجت هاتفها النقال وهاتفت أختها قائلة" هيا ريمة ،أسرعي وشغلي الكمبيوتر،فأنا على الخط ،أريد أن أتحدث معك ومع والدتي قليلا..." تقفل ،وتبقى في انتظار دخول أختها على الخط وبعد 7 دقائق بالضبط  يشتعل الزر الأخضر وتبدأ في كتابة الرسائل وإرسالها إلى شقيقتها  مع ابتسامة لم تفارق شفتيها مند جلوسها الى جهاز الكمبيوتر حتى وقت مغادرتها.

عم خلال هذه الفترة القليل من الهدوء مقارنة بالفوج الأول، وبعد انقضاء الفترة المخصصة للفوج الثاني غادرنا المكان، لنعود بعد مضي هذه الساعة وانقضاء المدة  المخصصة للفوج الثالث، غادرنا  القاعة  وعند الساعة 16:00 مساءا عاودنا المجيء الى النادي، وجدنا أن الفوج الثالث قد غادر المكان ليحل مكانه فوج آخر للإشارة كراسي الانتظار كانت فارغة باعتبار أنه لم يتبقى جهاز شاغر. وما  لفت انتباهنا هذه المرة أن الطالبات اللائي وجدناهن في طابور الانتظارعند حضورنا في البداية. (اللواتي كن منشغلات مع الدردشة) نفسهن المتواجدات حول الأجهزة هذه المرة.

ما عدا طالبتين اثنتين جلستا حول جهازين متجاورين، كلتاهما أدارتا محرك البحث "Google" ودونتا الكلمات المفتاحية للمواضيع التي يريدان البحث عنها وانشغلتا كليا مع شاشة الكمبيوتر تارة في القراءة وأخرى في التلخيص والكتابة على الكراس. واستمر المكان على نفس الهدوء ولعل السبب في ذلك يعود الى أن كل جهاز جلست حوله طالبة واحدة بمعنى أن استخدام الانترنيت هذه المرة كان استخداما فرديا ماعدا الطالبتين اللتان كانتا تشتغلان على محركات البحث.

اليوم الثاني: الخميس 21 ماي2009  ( من الساعة الخامسة مساءا الى الثامنة ليلا) .

كالعادة ومن أجل ملاحظة سلوك المبحوثين وتفاعلاتهم اللفظية قبل فتح مقهى الانترنيت، توجهنا إليه دقائق قليلة قبل موعد فتحه، أول ما لاحظناه بمجرد وصولنا الى طابور الانتظار هو أنه نفس الفتيات اللاتي التقيناهن بالأمس عاودن الحضور اليوم أيضا ، تمحورت مواضيع النقاش هذه المرة حول الامتحانات وصعوبتها  بين ثلاثة طالبات اللاتي كن يتحدثن عن صعوبة الدراسة في الجامعة مقارنة بالمرحلة الثانوية. في حين أخذن الطالبتين الأخرويتين في التحدث عن عدم وعي أولئك الطالبات وعدم معرفتهن بكيفية الاستفادة من الانترنيت لأغراض علمية.

حيث تحدثت إحداهن: انظري إنهن يتحدثن عن الامتحانات ويحكمن عليها بأنها صعبة فلو عرفن كيف يستفدن من الانترنيت وخدماتها لما صدر منهن كل هذا.

الطالبة الثانية : كيف تظنين أنهن يستفدن من الانترنيت من أجل العلم والدراسة، فهن لا يرين فيها إلا وسيلة للتسامر والدردشة فحسب.

الطالبة الأولى: فعلا، معك حقا فمنذ بداية مجيئي الى النادي ، أجدهن دائما الأوائل في المكان.

الطالبة الثانية: مسكينات كيف سيقضين حياتهن في الصيف، بعد إدمانهن الشديد عليها،...

 في هذه اللحظات وصلت المسؤولة عن النادي فتحت لهن الباب وغادرت المكان ولم تعد إلا بعد 45 دقيقة من الزمن الوقت الذي استغلته الطالبتين الأخيرتين في البحث والدراسة عن بعض المواضيع في حين خصصنه باقي الطالبات الى الدردشة والتحاور، فقط نشير الى أن مقهى الانترنيت لم يشهد هذا اليوم إقبالا كبيرا من قبل الطالبات مقارنة بباقي أيام الأسبوع نظرا لان اليوم صادف نهاية الأسبوع أين غادرت العديد من الطالبات الإقامة الجامعية من أجل قضاء نهاية الأسبوع  خارجها ومع الأسرة على الخصوص، حيث جلسنا نحن الستة على الأجهزة ، ولمدة جاوزت النصف ساعة لم تدخل ولا طالبة النادي،لكن بعد حوالي 35 دقيقة من دخولنا وصلت طالبة وطلبت الإذن من جميع المتواجدات في النادي بالسماح لها باستعمال الجهاز من أجل فتح علبة بريدها الاليكتروني والاطلاع على رسالة لأمر جد عاجل حسب تعبيرها ، نهضت من أمام الجهاز وتركت لها المكان لأجلس على الكراسي  الموجودة بالقاعة في انتظار انتهائها وبينما أنا في الانتظار وصلت طالبتين هما نفس الطالبتين اللتان صادفناهما في الأمس ، بحثا عن المسؤولة عن النادي من أجل سؤالها عن الوقت المتبقي لخروج الفوج الأول، وعندما لم يجداها اقتربا مني وجلسا على الكرسيين المجاورين لي وسألاني عن الوقت الذي دخل فيه الفوج الأول  وعن الوقت المتبقي لهن للخروج، فأجبتهن أنه لم يتبق الكثير كونه مضى على تواجدنا بالمكان أكثر من 36 دقيقة، واستغليت الفرصة حتى أدخل معهما في نقاش عن الدوافع التي تؤدي بهما الى استخدام شبكة الانترنيت ، عادات وأنماط استعمالها لها، وعن الإشباعات المحققة لهما من وراء استخدامها للانترنيت، حيث وحتى لا أثير الشك في نفوسهما سألتهما عن السنة التي يدرسان فيها فأجاباني أنهما في السنة أولى (شعبة علوم سياسية ، وبطريقة غير مباشرة استفسرتهما عن دواعي استخدام الانترنيت وقبل أن أكمل سؤالي قاطعتني  الطالبة الأولى وقالت لي " لا، لا تظني أنني أستخدم الانترنيت من أجل الدراسة، فلم  ولن استخدمها أبدا من أجل الدراسة بل من أجل الدردشة ليس إلا،..."

الطالبة الثانية : " حتى أنا استخدمها فقط للدردشة والتحاور مع الأشخاص من مختلف الهويات والجنسيات، فأنا لا تهمني الدراسة كليا"

فسألتهما: منذ متى وأنتما تستعملان شبكة الانترنيت؟. فأجابتاني  دفعة واحدة: هذه السنة فقط.

واستمرينا في الحوار والنقاش حول مزايا وعيوب الدردشة بهدوء وود كبيرين مما جعلني أسألهما أيضا عن المدة التي يقضيانها في الدردشة والأوقات التي يفضلانها في الدردشة، فأجابتني أحداهما بأنها تقضي يوميا أكثر من أربع ساعات في الدردشة ، وأنها تفضل وقت المساء (بعد الرابعة ) لأنه يمثل الوقت الذي يتحرر فيه العمال من العمل والطلبة من الجامعة مما يسمح لها بالتحاور مع عدد كبير من الأشخاص في آن واحد، في حين امتنعت الأخرى عن الجواب ، وبعدما  لاحظنا أن الطالبة الأولى قد انشغلت معي في النقاش وركزت في الموضوع سألتها عن نوع الدردشة الذي تفضله فأجابتني، لا أفضل شكلا عن آخر المهم عندي هو أن أدردش سواء عبر المنتديات أو حلقات الدردشة الفورية أو الـ skype أو عبر البريد الاليكتروني. وقبل أن نكمل حديثنا في الموضوع نهضت طالبتين من المجموعة الأولى وخرجتا فاستسمحتاني الطالبتين في المغادرة والجلوس الى الجهازين.

أما أنا فانتظرت أن تنهض الطالبة التي جلست الى الجهاز وبعد مضي 25 دقيقة نهضت الطالبة لأعود الى مكاني حول الجهاز و استمريت في العمل على شاشة الكمبيوتر وملاحظة المبحوثين في نفس الوقت، ما لفت انتباهنا أيضا أثناء ملاحظتنا للمبحوثين أيضا أن هناك من الطالبات من حضرن إلى النادي من أجل تحميل أحدث الصور والفيديو كليب للفنانين والمطربين بصفة خاصة سواء منها  الفنانين العرب أو الغرب .

 وأثناء تواجدنا بالقاعة، لاحظنا أيضا أن هناك مجموعة من الطالبات من يقصدن نادي الانترنيت من أجل الاطلاع على الأخبار الوطنية والدولية  من خلال الصحافة الجزائرية الاليكترونية

 ( الخبر، الشروق اليومي، الوطن، ...)  . أو حتى الاستماع الى الإذاعة سواء الإذاعة المركزية أو الدولية  أو حتى  الإذاعة المحلية كإذاعة" البهجة" .

     ما أثار انتباهنا أيضا أثناء تواجدنا بالنادي أن هناك مجموعة من الطالبات   يقصدن المقهى من أجل مراسلة الأساتذة والمشرفين على مذكراتهم أو حتى رسائل الماجستير لطلب الاستفسار والمساعدة في مسائل تتعلق بالدراسة.وبعد ساعة من الملاحظة غادرنا المكان وبسب أن نفس السلوكيات التي لاحظناها بالمس تكررت غادرنا القاعة.

 

 

اليوم الثالث: يوم الجمعة  22 ماي 2009 ( من الساعة التاسعة صباحا الى الواحدة زوالا):

هذه المرة اخترنا الفترة الصباحية حيث توجهنا نحو النادي عند التاسعة صباحا أين وجدناه قد فتح أبوابه أمام الطالبات، دخلنا النادي فوجدنا كل الأجهزة محجوزة بقينا في كراسي الانتظار الى أن يحين دورنا بعد ساعة من الزمن . ما لفت انتباهنا هذه المرة أنه فيه ثلاثة وجوه جديدة لم نتعود تواجدها بالقاعة. ماعدا الطالبتين اللتان أُثرنا معهما موضوع الدردشة في الأمس و اللتان وصلتا المكان متأخرتين عن الفوج الأول مما جعلهما يجلسان بجانبنا في انتظار دورهما وبعد ان ألقيا التحية ، فضلنا أن نكمل الحديث الذي كنا قد استهليناه في الأمس، فسألتها عن سبب حضورهما اليوم إلى النادي فأجابتنا الفتاة التي تفاعلت معنا في الأمس:

" كالعادة ، أتيت من أجل الدردشة فحسب"

فسألتها : ألا تشعري بالملل و الوحدة عندما تدخلي في الدردشة مع أشخاص غرباء لا تجمعك معهم أية معرفة سابقة." أجابتني الفتاة : شيء عادي،هناك العديد من الأشخاص الغرباء الذين أدردش معهم دون أن اعرف أي شيء عن شخصيتهم،جنسيتهم، ديانتهم وغيرها لكن هذا لا يهمني، المهم عندي أن أقتل وقت الفراغ بأي طريقة ، حتى ولو كان الشخص الذي أدردش معه غير مسلم."

سألناها عن طبيعة العلاقة التي تجمعها مع الأشخاص الذين تدردش معهم أجابتنا أن علاقتها بهم تتراوح بين علاقات صداقة جدية أو علا قات عاطفية منها الجادة ومنها العابرة.  وعن الدوافع التي تجذبها نحو الإقبال على مواقع  ومنتديات الدردشة أرجعت الطالبة الأسباب الى الطابع الحميمي للنقاشات في بعض الأحيان، الالتقاء بآخرين لهم نفس طريقة التفكير معها.وحتى لا نثير استغرابها وزميلتها من كثرة الأسئلة، أخبرناها أننا بصدد إجراء  بحث صغير حول مزايا وعيوب الدردشة وقبل أن نكمل حديثنا قاطعتنا وقالت من وجهة نظري للدردشة مزايا وعيوب لكن المسالة تتوقف على المستخدم وكيفية استخدامه لها ،فأنا أعي و أعرف كيف استخدمها ومع من أستخدمها. سألتها عن ماهو مقصودها بكلامها ذا فأجابت ، بصراحة أنا لا أحبذ الدردشة مع الجزائريين وإن صادفت ودخلت في دردشة مع جزائريين فلن أقدم هويتي الحقيقة ويوميا إلى آخر.

وبقينا في انتظار خروج الفوج الأول مدة ساعة كاملة ،وبعد أن خرجت الطالبات نهضنا نحن وحجزنا الجهاز رقم (4) الذي يمكننا من الاطلاع على كافة شاشات الأجهزة الأخرى خصوصا وأنه اليوم هناك ثلاث وجوه جديدة لم نألف حضورها في اليومين السابقين.

وكالعادة جلست الطالبتين المدمنتين على الدردشة حول جهازين متجاورين، وبمجرد جلوسهن اتجهتا الى  صفحات الدردشة عبر منتديات الدردشة والمحادثة الفورية  ،و Skype وانطلقتا في الإبحار في العلاقات الافتراضية والاليكترونية. في حين اتجهت الثلاث طالبات الأخريات الى محركات البحث "Google" و "Yahoo" والبحث في بعض المواضيع المتعلقة بالدراسة والبحث العلمي.وقد لاحظنا على أولئك الطالبات أنهن كن متمعنات في الصفحات التي ظهرت أمامهن بكل تركيز واهتمام  دون الالتفات يمينا وشمالا طيلة ساعة ونصف كاملة باعتبار أنه وخلال تلك المدة لم تلتحق بقاعة النادي ولا طالبة واحدة، كما استغرقت الطالبات الأخريات في الإبحار عبر مواقع الدردشة طيلة ساعتين كاملتين. ماعدا طالبة أخرى التي استغلت فرصة تواجدها بالنادي من أجل إرسال بريد الكتروني الى أستاذها لطلب مساعدتها في انجاز بحث ما،وبعد أن أنهت كتابة الرسالة وأرسلتها أخذت في الاطلاع على البريد الالكتروني الذي وردها من زملاؤها وعائلتها وحتى بعض الباحثين الأجانب.

وخلال نفس المدة انصرفنا عن الملاحظة وانشغلنا نحن أيضا في البحث عبر مواقع ومحركات البحث. وقبل انصرافنا بدقائق عاودنا الاقتراب من الطالبة المدمنة على منتديات الدردشة والتي كانت جد متفاعلة معنا ومنسجمة في الحوار، واستأذناها لإكمال الحوار الذي كنا قد انطلقنا فيه منذ يوم أمس واستمرنا فيه صبيحة هذا اليوم، ومن بين الأسئلة التي طرحناها عليها هل تعتقدين أن الدردشة تساعدك على التخلص من الشعور بالوحدة  والعزلة ؟، ما هي الدوافع التي تكمن وراء استعمال منتديات الدردشة الترفيه والتسلية، التعارف، التعلم والتعرف على ثقافات الغير، فردت بكل طلاقة: بصراحة ، هناك دوافع عديدة تجعلني أتوجه نحو مواقع ومنتديات الدردشة دون غيرها من المواقع هي التسلية والترفية،ا لهروب من الواقع والروتين اليومي خصوصا وأنني بعيدة عن أسرتي، سألناها عن الأمور التي تجذبها لاستعمال منتديات الدردشة الطابع الحميمي لتلك النقاشات، أو الالتقاء بآخرين لهم نفس طريقة التفكير، فأجابت : كليهما،رغم أنني أفضل الثانية خصوصا أذا كانوا من ثقافات وديانات مختلفة مما وأصادف بأنه لهم نفس طريقة تفكيري ويفضلون ما أفضل ويكرهون ما أكره. عن نوع الدردشة المفضل بالنسبة إليها فردي أو جماعي أجابت بأنها تحبذ الدردشة الجماعية لأنها تجعلها في تواصل مع عدة أشخاص وأفكار من عدة هويات في آن واحد.

سألناها عن الإشباعات التي تحققها لها الدردشة،  فقالت:" الكثير من الإشباعات، فالدردشة تجعلني أتخلص من القلق والملل الذي يتملكني بسبب الدراسة، تساعدني في الهروب من الواقع، تجعلني أنفس عن عواطفي وأعبر بكل حرية دون رقابة وقيود، الشيء المهم أنني أشبع فضولي وأحصل على معلومات جديدة"،  سألناها كيف ستقضين العطلة الصيفية إذن فأكدت أنها ستجبر والدها على إيصال منزلهم بشبكة الانترنيت، وإلا فلن تقضي العطلة في منزلها بل عند الأهل وتهرب من رقابة والديها المستمرة. وقبل أن ننهي حديثنا معها اقتربت منها زميلتها وأمسكتها من يدها وطلبت منها المغادرة وعدم الاستمرار في الحوار، فاستأذنت وغادرت المكان

اليوم الرابع: يوم السبت 24 ماي 2009

اخترنا هذا اليوم الفترة الأولى من 13:00ـــــــ 17:00 ، وصلنا في  الوقت الذي فتحت فيه المسؤولة عن النادي الباب، عند الواحدة وثلاث دقائق تقريبا، ووجدنا أمامنا ستة طالبات ( نفس عدد الأجهزة) ، مما جعلنا ننتظر مدة ساعة كاملة خلال هذه الفترة لاحظنا أنه فيه وجوه جديدة نوعا ما  ماعدا طالبة واحدة والتي اعتادت الحضور الى النادي من أجل تحميل بعض الصور من موقع اليوتوب، إلا أنها هذه المرة  ومن خلال ملاحظتنا لما ظهر على الشاشة فقد حضرت الى النادي من أجل مشاهدة بعض الحلقات التي فاتتها من المسلسل التركي" وتمضي الأيام" حيث دونت عنوان المسلسل على صفحة الواب وانتظرت حتى تظهر أمامها  جميع الصفحات والمواقع التي تمكنها من مشاهدة حلقات المسلسل.وأخذت في تتبع الحلقات بكل انتباه وتركيز ( ورغم أنه في نادي الانترنيت لا توجد سماعات إلا أنها أدركت ذلك وأحضرت معها خودة ووضعتها على أذنيها). أيضا وخلال هذه الفترة وجدنا طالبة حضرت الى المكان من أجل البحث والدراسة فشغلت محرك البحث "غوغل" وانطلقتا في البحث عما كانتا تصبو إليه، ما لفت انتباهنا  أيضا بعض الطالبات اللاتي قصدن النادي من أجل قراءة الجرائد الاليكترونية( EL WATAN و LIBERTE  ) ، وأثناء تواجدنا بكراسي الانتظار وصلت طالبتين اثنتين تبدوان عليهما مظاهر الجدية، و ما إن جلست الطالبتان حتى أخذتا في الكلام عن الطالبات الجالسات حول الأجهزة،فتقول إحداهما للأخرى:" أنظري، الى الأربع طالبات هناك ولا واحدة منهن فتحت صفحة البحث والدراسة كلهن منهمكات مع الدردشة وتحميل الصور"

الطالبة الثانية: أتعرفين، الإدارة منعت الدردشة ولكن أنظري.

الطالبة الأولى: من المفروض أن نادي الانترنيت مخصص فقط للبحث العلمي،وليس للأشياء التافهة مثل الدردشة والصور.

الطالبة الثانية: أود أن أعرف ما هي الإشباعات التي تحققها الفتيات  من ذلك.

وفي هذه اللحظات اقتربنا أكثر من الطالبتين وسألناهما عن سبب مجيئهما الى نادي الانترنيت واستخدام الانترنيت، فأجابت إحداهما:بالطبع، من أجل الدراسة،وهل تعتقدين أنه هناك سبب آخر يجعلني آتي الى هنا.

سألناهما: عن منذ متى كانت بدايتهما في استخدام الانترنيت

أجابت الطالبة الأولى:" منذ أن كنت في الثانوية، منذ أربع سنوات تقريبا"،  قاطعتها زميلتها :"منذ أربع سنوات مدة طويلة أنا لم أبدأ في استخدام الانترنيت إلا منذ سنة واحدة  أو سنة ونصف فقط."

فسألتها : "كم من مرة في الأسبوع تستعملان الانترنيت". فأجابتني إحداهما:" يوميا ومتى أتيحت لي الفرصة"

فسألتهما: بما أنكما قلتما أنكما تستخدمان شبكة الانترنيت في البحث والدراسة فهل يقتصر استخدامكما لها على محركات البحث المعروفة "Google" و"Yahoo"  فقط، فأجابتاني معا: لا، لم نكن نقصد محركات البحث فقط ، بل نستعين بخدمات الانترنيت الأخرى.

سألتهما: ماذا تقصدان

أجابتاني: نقصد محركات البحث، خدمة نقل الملفاتFTP، خدمة جماعات الأخبار ...

سألتها: وهل تستخدمان البريد الاليكتروني

أجابتني الطالبة الثانية: نعم، لقد نسيت البريد الاليكتروني، فأنا استخدم البريد الاليكترونيE- mail في مراسلة الأستاذ المشرف على مذكرتي ( مذكرة الليسانس)، إذ أنني أرسل إليه مختلف خطوات العمل عبر البريد الاليكتروني فقط دون حاجتي الى الالتقاء به يوميا. كما أنني أستخدمه في مراسلة أساتذتي وزملائي والعديد من الباحثين العرب الذين بحثوا  وكتبوا في نفس الموضوع الذي أبحث فيه أنا أيضا.

وعن فائدة البريد الاليكتروني سألتها، فأجابت الطالبة الأولى : فائدة البريد الاليكتروني، تسأليني عن فوائد البريد الاليكتروني، مزايا البريد الاليكتروني لا تعد ولا تحصى فقد ساهم في تقليص الوقت والجهد الذي كنا نبذله من التقاء بالأساتذة والمشرفين، كما أنه يجعلني على اطلاع على الجديد في مجال البحث العلمي، و يجعلني على تواصل دائم بزملائي في الجامعة وغيرها...

سألتهما: هل تعتبران البحث العلمي والدراسة الدافعان الوحيدان لاستخدامكما شبكة الانترنيت؟

أجابتا معا: نعم، أنا لا استخدم الانترنيت إلا من أجل الدراسة. الطالبة الثانية: حتى أنا رغم الفضول الذي يتملكني لمعرفة طبيعة الإشباعات التي تحققها الدردشة والمحادثة إلا أنه ولم يحدث وإن ولجت الى مواقع للدردشة والحوار،"سألتهما:" هل تجدان صعوبة لغوية في التعامل مع الشبكة"، أجابتني الطالبة الأولى: "نعم أحيانا،مما يضطرني الى ترجمة العديد من النصوص، سواء عن طريق المترجم الاليكتروني لخدمة غوغل، أوبا لاستعانة بالقاموس"، في حين أجابت الطالبة الثانية : ومن أجل هذا السبب ، استخدم أيضا شبكة الانترنيت ،- تقصد تعلم اللغات الأجنبية.

سألتهما  هل تعتقدان إذن أن الانترنيت تلعب دورا في تطوير القدرات الفكرية والإدراكية للمستخدم،  وقبل أن أنهي سؤالي أجابتني الطالبة الثانية :"بالطبع، وماذا تريان أنتما"

الطالبة الثانية:أنا لا أوافقها في رأيها، لأنه وقبل أن نحكم على دورها في تطوير القدرات الفكرية والإدراكية للمستخدم لها من عدمه لا بد أن نعرف دواعي وظروف، أنماط وأغراض أو أهداف المستخدم لها، فهناك حقا من يستخدمها بنزاهة بغرض البحث و هناك صنف آخر من يستغل شبكة الانترنيت من أجل الحصول على البحوث الجاهزة،و دون أن يكلف نفسه عناء البحث يتوجه الى موقع معين أين يجد بحثه جاهزا وهذا ما بات يعرف بسياسة"copier، coller"، وفي هذه الأثناء نهضت إحدى الطالبات ولأنني كنت الأولى في الفوج الثاني، استأذنت الطالبتين وشكرتهما على إجابتهما لي، فسألتاني عن الداعي من كل تلك الأسئلة فأجبتهما أنه من باب الفضول ليس إلا فابتسمتا.جلست الى الجهاز وحتى لا نثير انتباه الطالبات أبحرت أنا أيضا عبر مواقع الواب لمدة ساعة كاملة ، وخلال نفس الفترة وبين الفينة والأخرى كنا نسمع القهقهات والضحك الآتية من جهة الطالبات  المبحرات عبر مواقع المحادثة والتسامر، خلال تواجدنا في هذه الصفحات لمحنا بعض الطالبات المهتمات بجديد البحث الإعلامي، من خلال تصفح موقع البوابة العربية لعلوم الاعلام والاتصال(arabe media studies) وقراءة آخر ما نشر على الموقع من بحوث ودراسات.حيث وأثناء تواجدنا بالنادي وصلت ثلاث طالبات أين وجدنا إحدى الطالبات الجالسات تستعد للخروج وبعد خروجها حجز الطالبات الثلاث مكانها وبسرعة دونت إحداهن العنوان الاليكتروني للبوابة العربية لعلوم الاعلام والاتصال ، وبعد ذلك أمسكت إحداهن الفارة،وقالت أنا الوحيدة المسجلة في البوابة مما يتيح لي قراءة وتحميل كافة المقالات وأخذن في قراءة المقالات وتحميلها الواحدة تلو الأخرى.

هناك أيضا طالبتين اثنتين حضرتا الى النادي، فوجدتا كل الأجهزة محجوزة ، فجلسن الى كراسي الانتظار والتي تقع على مقربة كبيرة منا وأخذتا في الحديث حول الانترنيت مزاياها وعيوبها، ومن بين ما جاء في تخاطبهما:" أتدرين رغم خطورة وسلبيات الانترنيت إلا أن هناك من لا يعي لحد الآن مخاطرها، فأنا وخوفا من ان أقع في مشاكل كبيرة بسبب الانترنيت لم أسمي علبة بريدي الاليكتروني باسمي الحقيقي"، ردت عليها زميلتها: فعلا،كل تكنولوجيا لها مزايا وعيوب، لكن لابد عليك أن تعرفي كيفية استخدامها وإلا وقعت فيما لا يحمد عقبها"، وفي هذه الأثناء خرجت إحدى الطالبات فتقدما وجلسا  معا على نفس الجهاز،وبعد أن فتحت كل واحدة منهما علبة بريدها الاليكتروني ، وقراءة الرسائل الجديدة الواردة،قلصت الصفحة وانتقلت في البحث عن أهم القصائد والكلمات التي قيلت في الصداقة، المرأة والرجل عبر محرك البحث "غوغل" وإرسالها الى زملاؤهم عبر البريد الاليكتروني.

أيضا وخلال نفس الفترة غادرت القاعة طالبتين اثنتين وبعد دقائق من خرجهما ووصلت الى القاعة طالبة وجلس أمام أحد الجهازين،وبعد أن دونت على صفحة محرك البحث "غوغل"  عنوان الموضوع الذي تبحث عنه، انتظرت ظهور الصفحة ،وبعد أن ظهرت أخذت الطالبة في قراءة كا ما ظهر أماما وكتابته حرفيا.


الاستنتاجات:

من  خلال  محاولة  تطبيقنا للمنهج الاثنوغرافي على استخدام الطالبات المقيمات بالحي الجامعي للانترنيت ، توصلنا الى مجموعة من النتائج:

-    اهتمام عدد كبير من الطالبات بالانترنيت كتكنولوجيا حديثة والتوجه نحو خدماتها سواء من جانب البحث العلمي، أو من أجل التسلية الترفيه.

-         الخدمة الأكثر استعمالا وإقبالا لدى هذه الفئة هي الدردشة بمختلف أنواعها وأشكالها

-    توجه وميل نسبة كبيرة من الطالبات الى مواقع ومنتديات الدردشة والمحادثة الفورية دون غيرها من الخدمات،وتليها المواقع الخاصة بالبحث العلمي، ثم البريد الاليكتروني.

-    إدمان نسبة كبيرة من الطالبات على الدردشة لدرجة التركيز والتمعن في الرسائل وإهمال كل ما يحيط بهم،بما فيه الوقت.

-    أما فيما يخص دوافع الاستخدام لدى فئة الطالبات : فالبنسة للمبحرات عبر مواقع الدردشة تكمن دوافع الاستخدام في الهروب من الواقع، إقامة علاقات جديدة، التعرف على ثقافات جديدة و أفكار جديدة وملء وقت الفراغ خصوصا وأنهن بعيدات عن الأسرة. أما بالنسبة للمبحرات عبر مواقع البحث العلمي فحسبهن الدراسة هي المبرر الوحيد لاستخدامها،في حين المستخدمات للبريد الاليكتروني فالدافع الذي يجعلهن يقبلن على استخدامه يتمثل في الاتصال بالأستاذ المشرف،الأساتذة والزملاء ،...

-    استنتجنا  أيضا أنه ليست هناك أي علاقة بين المستوى التعليمي واستخدام الانترنيت، فعلى الرغم أنه من المفروض أن هذه الفئة- الطالبات-  تستخدم الانترنيت من أجل البحث والدراسة إلا أنه ومن خلال الدراسة توصلنا الى العكس من ذلك تماما حيث ان نسبة المبحرات يوميا عبر مواقع الدردشة تفوق- إذا لم نقل تضاعف- نسبة المبحرات في مواقع ومحركات البحث العلمي.

-    توصلنا الى أن أغلبية الطالبات اللائي يستخدمن الانترنيت من أجل الدردشة والحوار مع الجزائريين يستخدمون شبكة الانترنيت في المساء أو الليل لان الفترة  تمثل فترة تحرر العمال من عملهم والطلبة م

Partager cet article
Repost0
14 juin 2009 7 14 /06 /juin /2009 16:52

خطة البحث:

مقدمة

تحديد المفاهيم
التأثير
الاستخدام
الحاجات و الدوافع
الإشباع

مقترب الاستخدام و الإشباع و مفهوم التأثير
مقترب الاستخدام و الإشباع.
المساهمات الأصيلة في صياغة مقترب الاستخدام و الإشباع.
الدراسات الحديثة في مقترب الاستخدام و الإشباع.
الافتراضات الأساسية التي يقوم عليها مدخل الاستخدام و الإشباع.

العلاقة بين الاستخدام و الإشباع والتأثير
العلاقة بين الاستخدام و الإشباع
 العلاقة بين الاستخدام و التأثير.

الانتقادات الموجهة لمقترب الاستخدام و الإشباع والرد عليها.
. الانتقادات الموجهة لمقترب الاستخدام و الإشباع
. الرد على الانتقادات.
خاتمة

 

 

مقدمة:

   مند بداية عصر الاتصال الجماهيري حاول الباحثون والعلماء فهم ماهية التأثيرات التي يمارسها الإعلام الجماهيري على الجمهور، وقد أنتجت تلك الأبحاث والدراسات جملة من الصيغ تعمل على وصف وتفسير واستشراف ما يجرى عندما تتعرض فئة من هذا الجمهور لرسائل إعلامية تبث من خلال وسائل الاتصال الجماهيري، إذ حظي موضوع العلاقة بين وسائل الإعلام والتأثير باهتمام الكثير من الباحثين، وهو ما أدى إلى التوصل إلى عدة نظريات اختلفت في تفسيراتها لهذه العلاقة بسبب اختلاف الاتجاهات والمنطلقات التي اتُّخذت كانطلاقة في تحليل تأثيرات الاتصال الجماهيري سواء كانت تلك الاتجاهات مجرد تحليلات نظرية فقط أم قائمة على أساس دراسات تجريبية.

        و تعتبر بحوث الاستخدام و الإشباع من المقاربات التي اندرجت ضمن نظريات التأثير المحدود لوسائل الإعلام التي ظهرت في أواخر الستينات من القرن الماضي، و تركز على دراسة أسباب استخدام وسائل الإعلام والاتصال والتعرض إليها من مختلف الفئات الاجتماعية في محاولة للربط بين هذه الأسباب والاستخدام والعائد من هذا الاستخدام الذي يحققه الفرد. ويرى أصحاب هذا الاتجاه بأن إقبال الناس على وسائل الإعلام والاتصال يمكن تفسيره على ضوء استخدامهم (Uses) وكذلك حول العائد والإشباع (Gratification) الذي يتحقق منه.

        إن التحدي الكبير الذي يُطرح أمام مدخل الاستخدام و الإشباع هو الوصول إلى إيجاد دلائل تبرهن على قيام علاقة بين استخدام وسائل الإعلام وتحقيق الرضا والإشباع من جهة وحدوث التأثير من جهة أخرى، و هذا ما يدفعنا إلى البحث في العلاقة التي تربط بين الاستخدام و الإشباع و التأثير، و من هنا يفرض التساؤل الآتي نفسه، هل استخدام وسائل الإعلام من أجل الإشباع يساعد على التأثير؟

        و يمكن الإجابة على هذا التساؤل الرئيسي من خلال الإجابة على التساؤلات الفرعية التالية:

ماذا نقصد بالاستخدام و الإشباع و التأثير؟

ما هي العلاقة بين الاستخدام و الإشباع و التأثير؟

تحديد المفاهيم و المصطلحات:

التأثير:

        و يقصد بالتأثير في عملية الاتصال، حدوث الاستجابة المستهدفة من هذه العملية، و التي تتفق مع مفهوم الهدف من الاتصال أو وظيفة الاتصال، و عادة ما يكون هذا الهدف في وعي المرسل أو القائم بالاتصال و يُتوقع تحقيقه من طرف المستقبل أو المتلقي، إذن فالتأثير مرتبط بالقصدية و الرغبة في بث رسالة معينة.

الاستخدام:

         يعرفه "يافيس فرونسوا لوكوياديك" "Yves-François Le Coadic" بأنه نشاط اجتماعي يتحول إلى نشاط عادي في المجتمع بفضل التكرار والقدم، فحينما يصبح الاستعمال متكرر ويندمج في ممارسات وعادات الفرد يمكن حينئذ الحديث عن الاستخدام([1]).

         وعليه فاستخدام وسيلة إعلامية أو مضمون إعلامي ما يتحدد بالخلفيات الديمغرافية والسوسيو-تقنية، والاقتصادية والثقافية للأفراد([2])، فالعوامل الاقتصادية والتكنولوجية هي مصدر سيرورة الاستخدام، ذلك أن العرض هو الذي يقف وراء الاستخدام، حيث يشير الباحث "عبد الوهاب بوخنوفة" إلى أن مفهوم الاستخدام يقتضي أولا الوصول إلى التقنية أو الوسيلة، بمعنى أن تكون متوفرة ماديا([3])، ثم تأتي بعد ذلك العوامل الاجتماعية والفردية التي تعمل على تشجيع الاستخدام أو تعمل على إعاقته.([4])

الحاجات و الدوافع:

         وتتحدد هذه الدوافع والحاجات بعوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية والتي يشبعها الأفراد تبعا لظروفهم([5]) عن طريق الوسائل الطبيعية من خلال التفاعل والاتصال وجها لوجه، أو من خلال اللجوء إلى التعرض إلى وسائل الإعلام.

فالحاجة تنشأ من الشعور بالنقص أو الحرمان من شيء ما لدى الفرد مما يؤدي إلى التأثير في القوى الداخلية للفرد أو الدوافع بغرض إشباع تلك الحاجة بمستوى معين وبدرجة معينة من الإشباع، أي أن الحاجة تؤثر في الدافع، إذا الحاجة هي أساس الدافع وأسبابه([6]).

         حيث يرى علماء النفس أن محرك الحاجة هو الدافع، هذا الأخير الذي يعرف على أنه >>حالة فسيولوجية أو نفسية توجه الفرد إلى القيام بسلوك معين يقوي استجابته إلى مثيرها<<([7])، أو كما عرفه "فرغلي":>>هو حالة توتر أو استعداد داخلي يثير السلوك ذهنيا أو حركيا، ويواصله ويساهم في توجيهه إلى غاية أو هدف<<([8]).

         وتشير كلمة "حاجة" في علم النفس على صنفين من الحاجات هما:

  • 1- حاجات فسيولوجية وتسمى أيضا بالحاجات الأولية وتتمثل في كل ما يحتاجه الفرد أو الكائن الحي للمحافظة على حياته واستمرار بقائه كالحاجة إلى الطعام، الماء([9])، لذلك فان إشباعها يعتبر ضروري.
  • 2- حاجات نفسية ويطلق عليها الحاجات الثانوية، وهي حاجات يكتسبها الفرد من البيئة كالرغبة في الصداقة، حب الاستطلاع، الحب...الخ.

         وهذه الحاجات والدوافع تختلف باختلاف الأفراد تبعا للتباين القائم بين الأفراد من حيث الأدوار والمواقع والأعمار، وكذلك باختلاف المعايير الثقافية والاجتماعية للمجتمع الذي يعيش فيه الأفراد، وهذه الحاجات تتطلب الإشباع حتى يتحقق للفرد نوع من الرضا والاتزان النفسي، فعدم إشباع حاجة معينة يترتب عنه شعور الفرد بحالة من الإحباط مما قد يدفعه إلى كبت الحاجة وقد تدفع به إلى التصرف متجها نحو الهدف الذي يعتقد بأنه سوف يحقق له الإشباع.

         وعلى العموم فالدراسات التي تعرضت للدوافع والحاجات التي تجعل الأفراد يتعرضون إلى وسائل الاتصال الجماهيرية قد حددت تلك الدوافع والحاجات في حاجة الفرد إلى الهروب من الواقع بالإضافة إلى حاجاته في التعرف على الأخطار والمشكلات المحيطة بالبيئة الاجتماعية وكيفية مواجهتها، وغيرها من الدوافع التي ترتبط بالدوافع والحاجات الفردية كاكتساب المعلومات والخبرات وتحقيق التواصل([10]).

الإشباع:

        الإشباع هو إرضاء رغبة أو بلوغ هدف ما أو خفض دافع ما، فالإشباع في نظرية التحليل النفساني تعني خفض التنبيه والتخلص من التوتر([11]).   

        ووفق نظرية الاستخدام و الإشباع فان الأفراد يوصفون بأنهم مدفوعين بمؤثرات نفسية واجتماعية لاستخدام وسائل الإعلام بغية الحصول على نتائج خاصة، يطلق عليها "الاشباعات".

وعلى العموم وحسب "وينر" "Wenner" فوسائل الإعلام تحقق نوعين من الاشباعات هي:

  • 1- اشباعات المحتوى: وتنتج عن التعرض إلى محتوى وسائل الإعلام.
  • 2- اشباعات العملية: وتنتج عن عملية الاتصال والارتباط بالوسيلة الإعلامية ذاتها.
    مقترب الاستخدام و الإشباع و مفهوم التأثير

مقترب الاستخدام و الإشباع:

        تسعى بحوث الاستخدام و الإشباع إلى الإجابة عن التساؤل: لماذا يستخدم المتلقي وسائل الاتصال؟ ومن خلال هذا التساؤل يمكننا أن ندرك بأن هذه الدراسات تعتبر المتلقي نقطة البدء وليس الرسالة الإعلامية أو الوسيلة الاتصالية، ومن خلال هذا التركيز على المتلقي يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الأفراد يستخدمون وسائل الإعلام ومحتوياتها لأمور كثيرة قد لا تكون لها علاقة بالهدف الذي يريده القائم بالاتصال، ذلك أن الأفراد بدلا من أن يكونوا مستقبلين لرسائل الاتصال فإنهم يسعون إلى استخدام وسائل الاتصال بما يتفق مع حاجاتهم ويشبعون بذلك حاجات عديدة لديهم وليس بالضرورة أن يتم إشباعها عن طريق وسائل الإعلام، فالفرد قد يلجأ إلى بدائل أخرى غير وسائل الإعلام لإشباع حاجاته([12]).

         و يعتبر مقترب الاستخدام و الإشباع تحولا نوعيا في البحوث الإعلامية من رؤية الجمهور على انه عنصر غير فعال إلى رؤيته على أنه فعال بحيث ينتقي أفراد هذا الجمهور الوسائل و المضامين الإعلامية التي يفضلونها من وسائل الإعلام([13])، ويشير كل من "وينر" "Werner" و "تانكارد" "Tankard" إلى أن البحث في أنواع الاحتياجات التي يحققها استخدام وسائل الإعلام قد بدأ منذ وقت مبكر في الثلاثينات، حيث أجريت العديد من الدراسات من هذا المنطلق أو المنظور على قراءة الكتب، مسلسلات الراديو، والصحف اليومية، الموسيقى الشعبية وأفلام السينما([14]).
المساهمات الأصيلة في صياغة مقترب الاستخدام و الإشباع.

        لقد ساهمت مجموعة من الدراسات في تشكيل هذا المقترب، وجل هذه الدراسات أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية وفي السويد، من بينها:

دراسة "هيرتا هيرزوغ" "Herta Herzog":

         الدراسة الأولى:

         في عام 1940، أجريت الباحثة "هيرتا هيرزوغ" دراسة حول مسألة إشباع الرغبات التي كان يتحصل عليها جمهور برنامج ألعاب إذاعي وهو برنامج "Quiz"، وقد خلصت في دراستها إلى الكشف عن مجموعة من الرغبات المشبعة التي أفصح عنها المستجوبون، وتلخصت هذه الاشباعات في:

  • 1- التنافس: ويعني أن المستمع للبرنامج يشارك عن بعد في المنافسة ويحاول أن يتنافس ويتبارى مع المتنافسين في البرنامج من خلال محاولته للإجابة عن الأسئلة التي يطرحها منشط البرنامج.
    التربية: بمعنى التعليم، فمن خلال استماع الفرد إلى هذا البرنامج يتمكن من إشباع رغبته في المعرفة، بحيث من خلال الاستماع إلى الأسئلة والأجوبة يكتسب المستمع معلومات جديدة وهو ما يساهم في الرفع من رصيده المعرفي.

التقييم الذاتي: ويقصد به أن المستمع يقارن نفسه بالمتنافسين من جهة ومن جهة ثانية يقيم ذاته ونفسه من خلال الأجوبة المقدمة في ذلك البرنامج.

        الدراسة الثانية:

        أجرتها الباحثة عام 1942 واندرجت هذه الدراسة تحت عنوان <<ماذا نعرف حقيقة عن مستمعي المسلسلات الإذاعية اليومية>>([15])، حيث كان الهدف من هذه الدراسة هو التعرف على الاشباعات التي تتحصل عليها السيدات من وراء الاستماع إلى المسلسلات الإذاعية، وخلصت في دراستها إلى أن النسوة يتابعن هذه المسلسلات بهدف التسلية، ومنهم من يتابعها لأنها تساعدهن في حياتهن اليومية حيث تقدم لهن توجيهات في طرق التعامل مع الآخرين ومنهن من يتابعها بغية التثقيف والاستمتاع بالقصة الموجودة في المسلسل([16]).

        وعليه توصلت الباحثة إلى تصنيف مجموعة من الاشباعات التي يحققها جمهور المسلسلات الإذاعية اليومية، يمكن توضيحها كالآتي:

  • 1- التنفيس العاطفي (Catharsis): فمن خلال الاستماع إلى المسلسلات الإذاعية يحاول المستمع التخلص من الشحنات التي تكون بداخله وقد تكون هذه الشحنات عاطفية أو غريزية وتوترات و القلق، وقد عبر "فرويد" "Freud" عن التنفيس العاطفي بمفهوم آخر هو إزالة العقد Abréaction ([17]).
  • 2- أحلام اليقظة (Day Dreaming): بحيث أن المستمع يتخيل نفسه في نفس الوضعيات أو الأماكن أو الأدوار التي يصورها المسلسل ويتحدث عنها.
  • 3- السلوك الاجتماعي اللائق: فالمستمع من خلال الاستماع إلى المسلسلات يكتسب ويتبنى سلوكيات وطرق في التعامل مع الآخرين وكيفية التصرف إزاء وضعيات ومواقف معينة في الحياة اليومية بحيث يعمل على توظيف تلك السلوكيات وفق المجتمع الذي يعيش فيه وقواعده ومعاييره.

كما استخلصت "هيرتا هيرزوغ" أن الرضا والإشباع عند السيدات يختلف باختلاف الظروف الفردية ومشاكلها([18]).

- دراسة "برنارد بيرلسون" "Bernard Berlson":

والتي أجراها عام 1945، حيث استغل بيرلسون توقف ثمانية صحف عن الصدور لمدة تزيد عن أسبوعين بسبب إضراب عمال التوزيع في نيويورك([19])، وقد تمحورت هذه الدراسة حول الإجابة عن التساؤل الآتي: ماذا كان يعنيه اختفاء تلك الصحف بالنسبة للقراء؟ وما الشيء الذي افتقده القراء في هذه الفترة؟

وقد أجرى دراسته في نفس السياق الذي أنجزت فيه الدراسة السابقة لـ "هيرتا هيرزوغ" مستعملا تقنيات الإحصاء عن طريق إجراء سبر الآراء للتعرف على واقع أحوال قراء هذه الصحف أمام هذا الإضراب.

و توصلت هذه الدراسة إلى أن السبب في ارتباط الأفراد بتلك الصحف هو أن هذه الأخيرة تقوم بعدة أدوار من بينها أنها تقدم المعلومات العامة أو التفسيرات حول الشؤون العامة للحياة اليومية([20]).

كما استنتج "بيرلسون" أن القراء الأكثر اهتماما وتعلقا بالأخبار هم أكثر من يحسون بنقص وغياب هذه الصحف، ويصل هذا النقص إلى حد جعل تعاملهم مع الآخرين وخاصة الأقربين منهم أكثر صعوبة وعليه يعتبر "بيرلسون" أن الصحيفة عموما تعد من عوامل الإحساس بالأمان لدى الأفراد([21]).

     

3- دراسة "ويرنر وهانري" "Werner and Henry":

         وأجريت هذه الدراسة عام 1948م وتمحورت حول الإشباع الذي يتحصل عليها المستمعون من وراء الاستماع إلى المسلسلات الإذاعية اليومية، وتوصل الباحثين إلى أنه من الرغبات الأساسية التي يشعبها جمهور المستمعين من هذه المسلسلات الإذاعية هو أنها تساعدهم على تجاوز النقائص الاجتماعية، بمعنى أن المستمعين من خلال متابعتهم للمسلسلات اليومية يتعرفون على بعض القيم والمواقف والمعايير والسلوكيات التي يتقبلونها ويتبنونها وقد يطبقونها في تفاعلاتهم اليومية.

4- دراسة "وليف وفيسك" "Wolf and Fisch ":  

         وأجريت هذه الدراسة عام 1949 حول سلسلة الرسوم الهزلية الخاصة بالأطفال، بهدف الكشف عن العلاقة بين الرسوم الهزلية الكاريكاتورية والأطفال، وقد خلصت هذه الدراسة إلى أن هناك ثلاث وظائف لكوميديا الأطفال وهي([22]):

  • 1- تقديم معلومات حول العالم الحقيقي.
  • 2- تقديم صورة البطل الذي لا يقهر.
  • 3- فرصة للتماهي بالبطل.

         وكل وظيفة تتطابق مع مراحل متتالية من النمو ومرتبطة بحاجاته المحددة عند الأطفال.

         كما توصل الباحثان أيضا إلى أن الاستعمال المفرط لسلسلة الرسوم الهزلية مرتبط بنزاعات عصبية وإعاقات فيزيقية([23]).

         وفي عام 1954 أتي الباحث "ماكوبي" "Maccoby" بمفهوم إحباط الحياة المنزلية حيث وجد بأن إحباط الحياة المنزلية يدفع الأطفال إلى استخدام التلفزيون والإقبال عليه بكثافة.

         وفي عام 1955 وبعد دراسات عدة قال "كاتز" و "لازارسفيلد" "Katz" and "Lazarsfeld" بأن السؤال الذي يجب أن يطرح هو "ليس ماذا تفعل وسائل الإعلام بالجمهور؟ وإنما ماذا يفعل الجمهور بوسائل الإعلام؟ وهو السؤال الأساسي الذي أصبحت ترتكز عليه معظم البحوث الإعلامية حيث ساهم في تغيير اتجاه الأبحاث من المنبه الاستجابة إلى الاستخدام و الإشباع.

6- دراسة "بلوملر" " Blumler" و زملائه:

         تكتسي هذه الدراسة أهمية خاصة في صياغة نظرية الاستخدام و الإشباع، وقام بهذه الدراسة "بلوملر" "Blumler" و زملائه بمركز التلفزيون بجامعة "Leeds" عام 1969 والتي أراد فيها الباحثون تجاوز إحدى فرضيات الاستخدام و الإشباع وهي "الهروبية" "exapisme" التي كان يقول بها نقاد الثقافة الشعبية وهل أن الاستخدامات تذهب إلى أبعد من هذا المفهوم([24]).    

وتمحورت دراسة "بلوملر" وزملائه حول وصف أفراد الجمهور لتجربتهم الذاتية مع وسائل الإعلام وما هي بالضبط الوظائف التي تؤديها مضامين معينة في ظروف خاصة، وقد ركزت هذه الدراسة على التلفزيون([25]).

         وللإجابة عن هذه الإشكالية قام "بلوملر" بصياغة مجموعة من الفرضيات للدراسة تمثلت في:
. أن مشاهدة التلفزيون موجهة نحو هدف.
. المشاهدون هم وحدهم يستطيعون الكشف عن هذه الأهداف والاهتمامات والدوافع، كونهم مشاركون في العملية الاتصالية.
هناك أنماط متنوعة للدوافع وإشباع الرغبات.
. إشباع الرغبات والدوافع والاهتمامات والوظائف يمكن معالجتها كوحدات مفاهيمية مختلفة للتحليل.
. إن استعمال وسائل الإعلام يمكن وصفه كعملية تفاعلية تربط المحتوى والاحتياجات و الإدراك والأدوار بالسياق الاجتماعي حيث يوجد الشخص، وأن التجربة الاجتماعية تخلق بعض الاحتياجات التي بعضها موجه نحو وسائل الإعلام للإشباع.

         وتوصلت هذه الدراسة إلى نتائج جد مهمة صاغها الباحثان "بلوملر" و "غورفيش" "Blumler" and "Gurevitch" عام 1972 في أربعة تصنيفات شكلت أساس نظرية الاستخدام و الإشباع، وهي:
. التحويل: ويقابل مفهوم الهروبية، وتم استخدام مفهوم التحويل عوض الهروبية لأن المفهوم الأول هو علمي أكثر من الثاني، ويقصد بالتحويل أن المشاهد ينهمك في القصص لدرجة تجعله ينسى همومه وأتعاب حياته كما انه يسعى إلى التنفيس العاطفي من جانب ومن جانب أخر الهروب من عبء المشاكل والروتين اليومي.

فالتحويل إذا يمكن تفكيكه إلى 3عناصر هي:

  • 1) الهروب من مشقات الروتين اليومي.
  • 2) الهروب من أعباء الحياة .
  • 3) التنفيس العاطفي.
  • 2. العلاقات الشخصية: ويقابلها مفهوم التفاعل الاجتماعي الشبهي([26]) والتي يسعى من خلالها المشاهد إلى:
  • 1) المرافقة: من خلال المشاهدة بمعنى أن الفرد يعيش افتراضيا مع الشخوص والوضعيات التي يشاهدها في المحتويات الإعلامية
  • 2) المنفعة الاجتماعية: وتعني أن الأفراد يتحصلون على معلومات وصور يستعملونها في تفاعلاتهم الاجتماعية.
  • 3. الهوية الشخصية: ويقابلها العمليات النفسية والتي يسعى من خلالها المشاهد إلى تعزيز القيم ويمكن توضيح ذلك من خلال 3 عناصر هي:
  • 1) مرجعية شخصية: بحيث أن الأفراد يحاولون أثناء استعمالهم لوسائل الإعلام أن يتعرضوا إلى المحتويات التي تتفق مع قيمهم ومواقفهم.
  • 2) استشفاف الواقع: وذلك من خلال المحتويات القريبة من الواقع كالأخبار، أو حتى تلك البعيدة عن الواقع كالمسلسلات للإطلاع على ما هو جديد في ميادين عدة.
  • 3) تعزيز القيم: من خلال التعرض لما يتوافق مع قيم الفرد وتجنبه لما يتنافر ويتعارض مع قيمه.
  • 4. حراسة المحيط: من خلال الإطلاع على ما يجري من أحداث سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية.

 

•1.2.         الدراسات الحديثة في مقترب الاستخدام و الإشباع:

نتيجة للتطور التكنولوجي الذي شهده مجال وسائل الإعلام والاتصال سواء من ناحية الوسيلة بذاتها أو من ناحية محتوياتها ظهرت دراسات عديدة في الثمانينات ركزت على دراسة استخدام التلفزيون و الإشباع الذي يتحقق لمستخدميه، غير انه بظهور الانترنيت بدأ الباحثون يسلطون الضوء و اهتماماتهم البحثية على دراسة هذه الوسيلة وما تحققه من إشباع لمستخدميها، ومن هذه الدراسات التي أنجزت خلال هذه الفترة نذكر:([27])

الدراسات التي تناولت استخدامات التلفزيون

دراسة "ماكويل" عام 1987:

        مع نهاية الثمانينات قدم "ماكويل" في دراسة أجراها عام 1987 الأسباب النمطية لاستعمال التلفزيون بغرض  إشباع حاجات لدى الأفراد الذين يتعرضون لمحتوياته، وقد لخصها في الحاجة إلى الإعلام، التربية، التعليم الذاتي، الهوية الشخصية، الاندماج والتفاعل، التسلية.

دراسة "كيلبورن":

         شهدت سنوات الثمانينات انتشار ظاهرة المسلسلات الأمريكية مثل مسلسل "دالاس" مما وجه اهتمام العديد من الباحثين إلى دراسة هذه المسلسلات و بخاصة من منظور الاستخدام و الإشباع، وعلى هذا الأساس حاول "كيلبورن" معرفة الأسباب العامة وراء مشاهدة تلك المسلسلات، فتوصل إلى أنه من أهم الأسباب التي تدفع الأفراد إلى مشاهدة تلك المسلسلات نجد:

  • 5. أن هذه المسلسلات تعتبر جزء من الروتين اليومي وتوفر التسلية.
  • 6. أنها تشكل أرضية للتفاعل الاجتماعي و الشخصي.
  • 7. أنها تثير الاهتمام و النقاش حول الأحداث الجارية.
  • 8. أحلام اليقظة و الهروبية.
  • 9. التماهي مع الشخوص.

 

دراسة "الياهو كاتز" و "تمار اليابس":

        أجرى هذين الباحثين دراسة حول الاختلافات الثقافية في تفسير الأوبرا الصابونية خاصة فيما يتعلق بمسلسل "دالاس" الذي تم عرضه في كثير من البلدان خلال سنوات الثمانينات، حيث أصبح هذا المسلسل رمزا لعولمة التلفزيون الأمريكي([28]).

        و كان هدف هذه الدراسة هو البحث عن أدلة لها علاقة بالتفسيرات المختلفة لهذا المسلسل من حيث فهم وتفسير محتوى هذا المسلسل على ضوء السياق الثقافي السائد في كل بلد عرض فيه هذا المسلسل.

        وقد توصل الباحثان إلى أن دراستهما هذه قد ساهمت في تقديم أدلة توضح أن هناك استجابات مختلفة للقصة التي يرويها هذا المسلسل استنادا إلى خلفيات ثقافية مختلفة([29]).

        الدراسات التي أجريت حول الإشباع الذي يحققه استخدام الانترنيت:

دراسة "فولكنبورج سويترز" "Volkenburg Soeters":  

        الذي حاول معرفة كيف يستخدم الأطفال والمراهقين الانترنيت وما هي الدوافع التي تقف وراء ذلك الاستخدام؟ وقد توصل في دراسته إلى انه من الدوافع التي تدفع هذه الفئات إلى استخدام الانترنيت ما يلي: ([30])

  • 1. اكتشاف الذات: بمعنى البحث عن كيف يكون رد فعل الآخرين خاصة عند الإناث وكيف يظهرون في أعين الآخرين وهذا بفضل السرية التي تمتاز بها الانترنيت بحيث تسمح هذه الوسيلة بإخفاء الهوية الحقيقية.
  • 2. التعويض الاجتماعي: أي تجاوز الخجل و النقائص الشخصية و بصفة خاصة عند الإناث و المنطويين نفسيا.

        دراسة "صونيا ليفنجستون" "Livingstone Sonia": و التي تم التوصل فيها إلى أن المراهقين الأكبر سنا يستعملون الانترنيت من اجل الاتصال بشبكتهم الشخصية، أما المراهقين الأقل سنا فيستعملون الانترنيت من اجل الاتصال بالغرباء وللتلاعب بالهويات.

        كما توصلت هذه الدراسة إلى أنه من بين دوافع استخدام الانترنيت: "الهوية"، حيث يقوم الأطفال بتمثيل أو تجريب عدة هويات وفقا لظروف الطرف الأخر الذي يتواصل معه عبر الانترنيت. 

 

•1.3.         الافتراضات الأساسية التي يقوم عليها مدخل الاستخدام و الإشباع:

        يرتكز مقترب الاستخدام و الإشباع على مجموعة من الافتراضات، حددها كل من "كاتز" "Katz" و "بلوملر" "Blumler" و "غروفيتش" "Gurevitch" في مؤلفهم: "Communication Mass Research"([31])، على خمسة فروض أساسية هي كالآتي:

  • 1. تميز الجمهور بالمشاركة الايجابية، أي أن أعضاء الجمهور هم مشاركون فعالون في عملية الاتصال الجماهيري، بعبارة أخرى أن الجمهور نشيط (Active) يربط بين احتياجاته وبين اختياره لوسائل الاتصال، بحيث يستخدم الوسائل التي تحقق أهداف مقصودة تلبي توقعاته.
  • 2. التأكيد على أن الجمهور هو الذي يستخدم وسائل الإعلام والاتصال ويختار الرسائل التي تشبع حاجاته، فالأفراد هم الذين يستخدمون وسائل الاتصال وليست وسائل الإعلام والاتصال هي التي تستخدم الأفراد، فالفرد هو الذي يحدد ما الذي يستحوذ على اهتماماته وما الذي لا يمكن أن يحظى باهتمامه.
  • 3. يرتكز الافتراض الثالث لمنظور الاستخدام و الإشباع على العلاقة التنافسية بين وسائل الإعلام والاتصال ومصادر أخرى لإشباع الحاجات.
  • 4. استخدام وسائل الإعلام والاتصال يعبر عن الحاجات التي يدركها الجمهور ويتحكم في ذلك عوامل الفروق الفردية وعوامل التفاعل الاجتماعي وتنوع الحاجات باختلاف الأفراد.
  • 5. يقوم الافتراض الخامس على أساس أنه يمكن الاستدلال على المعايير الثقافية السائدة في المجتمع من خلال استخدام الجمهور لوسائل الإعلام والاتصال، وليس من خلال محتوى الرسائل فقط([32])، بمعنى أن أعضاء الجمهور هم الذين يمكنهم تحديد القيم من وسائل الإعلام بالتالي تقرير التعرض إليها أم لا، وبالتالي فانه أحكام القيمة حول المعنى الثقافي للاتصال الجماهيري يجب أن يسبق باستكشاف لتوجهات الجمهور التي تعتبر الأصل، ومن دون ذلك فان أية محاولة لتفسير تأثير وسائل الإعلام تعتبر غير مجدية([33]).

•2.    العلاقة بين الاستخدام و الإشباع والتأثير:

•2.1.         العلاقة بين الاستخدام و الإشباع:

        يعد "كاتز" و "بلوملر" من الأوائل الذين اهتموا بصياغة علاقة بين حاجات الفرد واتجاهاته السلوكية لإشباعها، من خلال اللجوء إلى بدائل أو مصادر مختلفة والتي تعد وسائل الإعلام واحدة منها. حيث ركزا الباحثين من خلال إعادة تمحيصها للبحوث السابقة على بحث أجري في السويد عام 1968 والذي طرحا فيه الباحثان ثلاثة فروض أساسية هي كالآتي([34]):

  • 1. إن جوهر الفرضية الخاصة بالاستخدام هو اعتبار المتلقي ايجابي ونشط في سلوكه الاتصالي مع وسائل الإعلام.
  • 2. يكون الاختيار في يد المتلقي بحسب الحاجة التي يريد إشباعها.
  • 3. تتنافس وسائل الإعلام مع مصادر أخرى لإشباع الحاجات.

فمن وجهة نظر الباحثين، أن كل فرد مدفوع بمجموعة من العوامل الاجتماعية والنفسية التي تخلق لديه حاجات معينة، فيبدأ الفرد في رسم توقعات عن المصادر التي يمكن أن تلبي من وتشبع حاجاته، سواء من خلال وسائل الإعلام أو مصادر أخرى من خلال ممارسة أنشطة متعددة كالذهاب إلى النوادي، المقاهي الاجتماع بالأصدقاء...الخ.

         وعندما يقع اختياره على أحد تلك المصادر فانه في هذه الحالة يتم إشباع بعض الحاجات ولكن في نفس الوقت تخلق وتتولد لدى الفرد حاجات أخرى وهو ما يؤدي إلى نشوء توقعات جديدة تبدأ في التفاعل مع الخصائص الفردية والإطار الاجتماعي المحيط بالفرد تجعل الفرد يستعيد الدورة مرة أخرى بهدف إشباع كل الحاجات، وهكذا تتولد الحاجات وتتكرر عمليات إشباعها. كما يوضحها الشكل التالي:([35])

عوامل

 نفسية

 اجتماعية

1

مصادر ألأخرى

ممارسة أنشطة أخرى

حاجات

2

توقعات من

3

وسائل الإعلام

4

التعرض إلى وسائل الإعلام

5

دوافع وحاجات وتوقعات جديدة

إشباع لبعض الحاجات ونتائج أخرى

6

  

*نموذج "كاتز" و "بلوملر" للاستخدام و الإشباع*

       وفي إطار آخر اهتم "روزينجرين" ببناء نموذج للاستخدام والإشباع يحدد فيه أهمية الحاجات التي حددها "ماسلوا" إلى جانب المشكلات التي قد يتعرض إليها الفرد في دفع الفرد إلى سلوك معين لإشباع تلك الحاجات من جهة وإيجاد حلول لتلك المشاكل وهي كلها تؤدي إلى الفعل المتمثل في استخدام وسائل الإعلام أو وسائل ومصادر أخرى.

كما يوضحه الشكل الآتي([36]):

البناء الاجتماعي بما فيه وسائل الإعلام

الحاجات الأساسية

الخصائص الذاتية والخارجية للفرد

تتفاعل مع

وكذلك

إحساس الفرد بالمشكلات وإدراك بدائل حلولها

ينتج من هذا التفاعل

أنماط مختلفة لاستخدام وسائل الإشباع

أنماط سلوكية أخرى

الدوافع المختلفة للإشباع وحل المشكلات

تتوحد مع

تؤدي إلى

تؤدي إلى

إشباع

عدم إشباع

 

وهذا من الممكن أن يتأثر بالخصائص الذاتية والخارجية المحيطة بالفرد.

 

*نموذج "روزينجرين" للاستخدام و الإشباع*

 

•2.2.        العلاقة بين الاستخدام و التأثير:

        من بين النماذج التي تناولت العلاقة بين الاستخدام و التأثيرات نموذج "ويندال" "Windalhl" للاستخدام والتأثير، بحيث يرى هذا الباحث بأن المحصلة النهائية لاستخدام وسائل الإعلام هو تراكم التأثير أو تتابعه وهذه العلاقة تأخذ ثلاثة أشكال([37]):

  • 1. إذا كان الفرد قد استخدم وسائل الإعلام كعامل وحيد لإشباع حاجاته فانه في هذه الحالة يمكن وصف المحصلة النهائية لهذا الاستخدام بالتأثير.
  • 2. قد تعتبر المخرجات النهائية نتيجة لاستخدام وسائل الإعلام أكثر من استخدام خصائص محتوياتها، في هذه الحالة يصبح استخدام وسائل الإعلام هو السبب الرئيس لمحصلة العملية الاتصالية وبالتالي تعتبر هذه المحصلة بمثابة نتيجة.
  • 3. عندما تتحد المحصلة النهائية للعملية الاتصالية من خلال خصائص المحتوى وبتأثير استخدامه كعامل وسيط فانه في هذه الحالة تحدث عمليتان تكون السبب في تتابع التأثيرات، البعض من هذه التأثيرات يحدث بتأثير خصائص المحتوى والآخر بتأثير عملية الاستخدام.

         لكن على الرغم من نجاح  هذا النموذج في الربط بين الاستخدام والتأثير إلا أن هناك صعوبات ترتبط بعدم وضوح مخرجات عملية الاتصال الجماهيري([38])، بحيث يصعب التمييز بين ما هو تأثير أو مجرد نتيجة أو تتابع للتأثير.

 

•III.            الانتقادات الموجهة لمقترب الاستخدام و الإشباع والرد عليها:

•1.     الانتقادات الموجهة لمقترب الاستخدام و الإشباع:

     ساهم مقترب الاستخدام و الإشباع في تقديم إستراتيجية جديدة لدراسة وتفسير استخدام الجمهور لوسائل الإعلام و اشباعاته، على أساس اعتبار الجمهور عنصر فعال وايجابي، وعلى الرغم من تطور أساليب البحث والاستقصاءات في هذا المجال، إلا أن صورا من الانتقادات وجهت إلى هذا المقترب يمكن توضيحها كالأتي:

  • 1. يرى عدد من الباحثين بأن نظرية الاستخدام و الإشباع لا تزيد عن كونها إستراتيجية لجمع المعلومات من خلال التقارير الذاتية للحالة العقلية التي يكون عليها الفرد أثناء تعامله مع الاستقصاءات، فهي تعتمد بإفراط على دفاتر ذاتية للحالات النفسية للمستعملين([39]).
  • 2. يتبنى مدخل الاستخدام و الإشباع مفاهيم تتسم بشيء من المرونة مثل الدافع، الإشباع، حيث لا يوجد تعريفات محددة لهذه المفاهيم وهو ما يؤدي إلى اختلاف النتائج التي يتحصل عليها الباحث أثناء تطبيقه لهذه النظرية([40]).
  • 3. يعتبر مدخل الاستخدام و الإشباع، استخدام أفراد الجمهور لوسائل الإعلام هادف ومقصود لكن هناك من يرى أن استخدام وسائل الإعلام يحكمه السلوك الاعتيادي أي بحكم العادة والتعود، فمثلا مشاهدة برامج معينة قد تعود إلى العادة أو إلى شعبيتها.([41])
  • 4. يرى "دينس ماكويل" أن نتائج نظرية الاستخدام و الإشباع يمكن أن تتخذ كذريعة لإنتاج محتوى إعلامي هابط خاصة عندما يرى البعض بأن ذلك المنتوج يلبي حاجات المتلقين في مجالات التسلية والترفيه.([42])

الانتقادات التي وجهها بلوملر لمقترب الاستخدام و الإشباع:

يرى "بلوملر" أن الإشكالية التي تطرح في تطبيق نظرية الاستخدام و الإشباع هي عدم التحديد الواضح لمفهوم النشاط الذي يوصف به الجمهور المتلقي في علاقته بالاستخدام والإشباع، حيث هذا المفهوم قد يحمل عدة معاني منها المنفعة. كما أن اعتبار الفرد نشيط يقوم بانتقاء واختيار الوسائل ومحتوياتها بحسب اهتماماته واحتياجاته، فالمتلقي انتقائي يختار بنفسه ولا يقبل بأن يفرض عليه أي شيء حتى من قبل وسائل الإعلام وبالتالي فان نشاطهم يجنبهم تأثير وسائل الإعلام ويلغي فرضية تأثير وسائل الإعلام.

فحسب "بلوملر"، تطبيق مدخل الاستخدام و الإشباع يطرح العديد من التساؤلات حول كيفية قياس الاستخدام إذ يتدخل عامل الوقت الذي يقضيه الفرد في التعرض لوسائل الإعلام أو لمحتواها مع كثافة التعرض والاستخدام([43]).

بالإضافة إلى ذلك فان "بلوملر" يرى بأن بحوث الاستخدام و الإشباع ركزت على الاختيار الكلي لوسائل الإعلام ومحتوياتها، وأغفلت البحث عن ماذا يفعل الجمهور بتلك المحتويات([44]).

 

•2.     الرد على الانتقادات:

         يعتبر المؤيدون لمدخل الاستخدام و الإشباع في ردهم على الانتقادات التي وجهت لهذا المدخل، أن كل ما أثير حول المدخل لا يمكن أن ينفي دوره في دراسة علاقة الفرد بوسائل الإعلام، وينطلق هؤلاء من إمكانية حدوث تغييرات في سلوكيات أفراد الجمهور تجاه الوسيلة الإعلامية التي يمكن أن يتغير مضمونها ونوعها بغية إرضاء المتلقي([45])، بمعنى أن هناك تغييرات متبادلة في سلوك الأفراد ومحتويات وسائل الإعلام والاتصال بالإضافة إلى ذلك فان قياس اتجاهات الأفراد ومدى إشباع حاجاتهم لا يمثل مشكلة تعترض مدخل الاستخدام و الإشباع فقط، وإنما هي عوائق أمام مختلف الأبحاث الاجتماعية لأنها تتعامل مع الفرد الذي يتسم سلوكه بالتغير وعدم الثبات. 

 

خاتمة:

         إن اتجاه أو مدخل الاستخدام و الإشباع هو اتجاه أخر يضاف إلى البحوث التي اهتمت بتأثير وسائل الإعلام بحيث شكلت تحولا نوعيا في مسار هذه البحوث، فهي لا تخرج عن فكرة  أن الفرد أمام وسائل الإعلام  لا يكون سلبي وإنما ايجابي قادر على الاختيار والانتقاء بناء على الحاجيات التي تتولد لديه والتي يريد إشباعها، فهدا المدخل يطرح فكرة انه لا يمكن  تحديد تأثير مضمون وسائل الإعلام دون الأخذ بعين الاعتبار حاجيات المستقبل وإشباعها من تلك  المضامين.

         فأساس هذا التيار ونقطة انطلاقه هي  فكرة "أن لكل الناس حاجات تتطلب الإشباع وهذه الحاجات لها مصادر مختلفة تحدد  طبيعتها، منها: النفسية، البيولوجية و الثقافية.....الخ وأن عدم  تمكن الشخص من إشباع حاجاته مباشرة عن طريق الاتصال والتفاعل الشخصي الطبيعي -وجها لوجه- يجعله  يلجاء إلى البحث عن بدائل وظيفية والمتمثلة في وسائل الإعلام  وما تقدمه من وظائف، وهو ما يجعل وسائل الإعلام تبحث دائما من اجل التعرف على تلك الحاجات و الميولات الفردية غير المشبعة طبيعيا، من اجل إعادة تمثيلها في برامجها.

         من هنا نستنتج بأن التحدي الكبير الذي يُطرح أمام مدخل الاستخدام و الإشباع هو الوصول إلى إيجاد دلائل تبرهن على قيام علاقة بين استخدام وسائل الإعلام وتحقيق الرضا والإشباع من جهة وحدوث التأثير من جهة أخرى وعليه نصل إلى الإجابة عن التساؤل الذي  طرح في بداية هذا البحث حول كون استخدام وسائل الإعلام من أجل الإشباع يساعد على التأثير، و خلصنا إلى أن استخدام وسائل الإعلام من اجل الإشباع يحقق التأثير في ظل مجموعة من الشروط صاغها كل من "كاتز و "بلومر" في نموذجهما الذي سبق التطرّق إليه.

         إن الظاهرة الإعلامية معقدة يدخل في دراستها اعتبارات سيكولوجية واجتماعية كثيرة من الصعب أحيانا التحكم في دراستها دراسة دقيقة في الواقع، ويقول "ويلبر شرام" في هذا الصدد انه حينما ندرس عملية الاتصال وتأثيراتها لا نستطيع أن نتجاهل ما يحدث داخل الفرد من تفاعلات من جهة و التفاعل الذي يحدث بين الأفراد من جهة أخرى، وغير ذلك من الاعتبارات، فالاتصال هو أساس العملية الاجتماعية وهو يدخل ضمن اهتماما جميع أنواع العلوم السلوكية والاجتماعية.

         وفي الأخير نرى أن مقترب الاستخدام و الإشباع قد ساهم في تقديم إستراتيجية جديدة لدراسة وتفسير استخدام الجمهور لوسائل الإعلام و اشباعاته، على أساس اعتبار الجمهور عنصر فعال وايجابي، أما التأثير فيبقى واحدا من أكبر الإشكاليات التي طالما سعت وسائل الإعلام إلى تحقيقه و الظفر به.

قائمة المراجع

•Ø    باللغة العربية:

•v   الكتب:

•1.     أبو أصبع صالح خليل، استراتيجيات الاتصال وتأثيراته، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2005.

•2.     إسماعيل محمود حسن، مبادئ علم الاتصال ونظريات التأثير، الدار العالمية للنشر و التوزيع، القاهرة، ط2، 2003.

•3.     حمدي حسن، وظائف الاتصال الجماهيري: الوظيفة الإخبارية لوسائل الإعلام، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1991.

•4.     دليو فضيل،الاتصال مفاهيمه نظرياته وسائله، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2003.

•5.     ديفلير ملفين، روكيتش ساندرا، نظريات وسائل الإعلام، ترجمة :كمال عبد الرءوف الدار الدولية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1993.

•6.     عبد الحميد محمد، دراسة الجمهور في بحوث الإعلام، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 1993.

•7.     عبد الحميد محمد، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، عالم الكتب، القاهرة، ط 3، 1993.

•8.     كريبس باركر ،التلفزيون والعولمة والهويات الثقافية، ترجمة:علا احمد إصلاح، مجموعة النيل العربية، القاهرة، ط1، 2006.

•9.     مكاوي حسن عماد، حسن السيد ليلى، الاتصال و نظرياته المعاصرة، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط2، 2002.

•v   الدوريات:

•1.     علي قسايسية، السلوك الاتصالي للجمهور: خلفيات سيكو- سوسيولوجية، الوسيط في الدراسات الجامعية، الجزء 7، دار هومة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2004.

•v  الأطروحات و الرسائل الجامعية:

•ü    الأطروحات:

•1.     بوخبزة نبيلة، فعالية تقنيات الاتصال العمومي المطبقة في الحملات العمومية المتلفزة لسونلغاز: دراسة نظرية واستطلاعية، (أطروحة دكتوراه)، كلية العلوم السياسية و الإعلام، قسم علوم الإعلام والاتصال،  جامعة الجزائر، 2006 ـ 2007.

•2.     بوخنوفة عبد الوهاب، المدرسة، التلميذ والمعلم وتكنولوجيا الإعلام والاتصال، (أطروحة دكتوراه)، كلية العلوم السياسية و الإعلام، قسم علوم الإعلام و الاتصال، جامعة الجزائر، 2007.

•3.     بومعيزة السعيد، أثر وسائل الإعلام على القيم والسلوكيات لدى الشباب: دراسة استطلاعية منطقة البليدة، (أطروحة دكتوراه)، كلية العلوم السياسية و الإعلام، قسم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر،2005- 2006.

•ü    الرسائل:

•1.     شيخي توفيق، جمهور القنوات الفضائية الجزائرية من المهاجرين الجزائريين في بريطانيا، (رسالة ماجستير)، كلية العلوم السياسية و الإعلام، قسم علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر، 2007-2008.

•2.     عربوات سعيدة، اتجاهات الجمهور نحو قراءة الصحف اليومية الوطنية المستقلة، (رسالة ماجستير)، كلية العلوم السياسية و الإعلام، قسم علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر، 1999-2000.

•3.     مزيان ناجية، جمهور القنوات الفضائية العربية: دراسة مسحية لاستخدامات و اشباعات المرأة غير العاملة في الجزائر العاصمة، (رسالة ماجستير)، كلية العلوم السياسية و الإعلام، قسم علوم الإعلام والاتصال،جامعة الجزائر، 2005 - 2006.

•v    مواقع الانترنيت:

www.aber.ac.uk/media/modules/tf33120/katzliebes.html

www.ASB4.net/revue02/form.html

•Ø    المراجع باللغة الفرنسية:

•1.     EdeuTch : les Techniques psycho-sociologiques au service de l'étude de Marché, cahier de l'institut de sciences économiques applique, N° 71, Paris, 1971. 

•2.     Yves-François Le Coadic, usage et usagers de l'information, Paris ABS, 2001.

 


 

[1] - Yves-François Le Coadic, usage et usagers de l'information, Paris ABS , 2001 .P.56.

[2] - السعيد

Partager cet article
Repost0
10 juin 2009 3 10 /06 /juin /2009 00:50

 

خطة البحث

مقدمة: السمات الظاهرية
السمات الديمغرافية للجمهور

السمات الفطرية/ الأولية

السمات المكتسبة
السمات السوسيولوجية الاجتماعية

التمايز الاجتماعي (Social differentiation)

التفاعل الاجتماعي(Social Interaction)

أنساق الضبط المعيارية (Normative Control Systems)

خاتمة

السمات العامة لجمهور وسائل الإعلام

مقدمة:

       إن مصطلح الجماهير، عنصر أساسي في الشكل الجماعي لجمهور وسائل الإعلام، حيث أنه يتضمن، في بنيته الظاهرية، العديد من الخصائص التي تميزه عن تلك الأشكال الأخرى، وكان (McQuail, 1984) قد حددها على النحو التالي[1]:الحجم الواسعLarge Size، التشتت Dispersion، عدم التجانسHeterogeneity، عدم التعارف أو المجهولية Anonymity، غياب التنظيم الاجتماعيLack of Social Organization، وجود اجتماعي غير مستقر في الزمن والمكان Unstable Social Existence.

إن مصطلح الجماهير، إذن، هو أقرب الأشكال الجماعية إلى جمهور وسائل الإعلام الذي بدأ يبتعد أكثر فأكثر عن الثقافة اللاعقلانية ويقترب أكثر فأكثر من مفهوم "الجمهور العام"، كخطاب عقلاني، بسبب انتشار التعليم وتعميمه على الناس أجمعين وكذلك الانتشار المتنامي لوسائل الإعلام المتخصصة ، الأمر الذي يملي ضرورة تغيير إستراتيجية أبحاث من التحليل الكلي إلى التحليل الجزئي لهذه الظاهرة.

   ومن هنا يبدو واضحا أن فكرة الجمهور تتوسع باستمرار وتزداد تعقيدا بتعقُدّ الحياة الاجتماعية المعاصرة وتعاظم مكانة ودور وسائل الإعلام في المجتمعات الحديثة. وتزداد ظاهرة الجمهور تعقيدا مع الاستعمال الواسع لمبتكرات تكنولوجيات الاتصال الحديثة، و منه و انطلاقا من هذه الوتيرة المتسارعة في التطور ما هي أهم سمات جمهور وسائل الإعلام التي يمكننا من خلالها دراسة جمهور وسيلة إعلامية معينة بطريقة أكثر علمية؟

  السمات الديمغرافية للجمهور

و هي السمات أو الخصائص التي يشترك فيها جميع الأفراد مع اختلاف مستويات المشاركة، و تتكون منها فئات عديدة تصف التركيب السكاني للمجتمع، مثل: السن أو العمر، الجنس أو النوع، المستوى التعليمي، الحالة الاجتماعية...الخ، ورغم تعدد هذه السمات فهناك فهناك نوعين رئيسيين لتصنيفها[2].

السمات الفطرية/ الأولية

وتنسب إلى الفرد بميلاده، وهي خصائص غير قابلة للتغيير، أي ثابتة مثل: تاريخ ومكان الميلاد و الجنس و الانتماء العرقي أو السلالة[3].

مثال عن النوع أو الجنس: في مثل هذه السمة يقسم الجمهور إلى ذكور و إناث ... و قد انتهت بعض الدراسات إلى أن الإناث أكثر قابلية للإقناع من الذكور، وتستعمل عادة فئة إناث/ ذكور، للدلالة على النوع فقط دون الخوض في الفئات الفرعية، لأن رجال/ نساء، أو فتيان/ فتيات تتضمن الإشارة إلى فئات عمرية معينة، غير أن البحوث الأكثر دقة تناول الجنس أو النوع مقترنا بالعمر أو المهنة أو مستوى التعليم ... لأن هذه السمة العامة غير كافية في حد ذاتها، وينبغي النظر إليها في علاقتها بالسمات الأخرى التي تعكس مجتمعة المستويات الإدراكية و المعرفية التي يستند إليها الشخص في تكوين آرائه و مواقفه[4]، أما العمر أو السن: فيستخدم علماء السكان الفئات الخماسية أو العشرية لبيان الهرم السكاني، في دراسة التركيب العمري لسهولة التصنيف أو التبويب، حيث استخدم "لازارسفيلد" الفئات العشرية: "21،29"،"30،39"،"40،49"،"50،59" +60، لاهتمامه بالسلوك الانتخابي لقراء الصحافة التي كانت تشكل في الأربعينات من القرن الماضي الوسيلة الإعلامية الأكثر انتشارا، أما مؤسسة ألBBC البريطانية فقد استخدمت في السبعينات الفئات الخماسية:"5،9"،"10،14"،"15،19"...الخ،و كانت أهداف الدراسة، استكشاف تأثير أفلام العنف التلفزيونية، على الأطفال و المراهقين.

إلا أن هذه التقسيمات في الفئات العمرية لا تقدم دلالات علمية لتفسير السلوك الاتصالي للجمهور،فجاءت الأبحاث الأمريكية بتقسيم يراعي الفروق الفردية في النضج و تأثيرات الخبرات المتراكمة التي تكتسب بفضل المراحل التعليمية، حيث تستخدم الفئات التالية:

ذكور

إناث

Baby Boy

الطفولة

3

2

Boy

الصّبا

3 ـ 11

2 ـ 10

Adolescent

الفتوّة

12 ـ 17

11 ـ 16

Youth

الشباب

18 ـ 40

17 ـ 40

Middle aged

متوسطي العمر

41 ـ 60

41 ـ 60

Elderly

الكهولة

61 ـ 75

61 ـ 75

Old man

الشيخوخة

+ 75

+ 75

و هذا التقسيم، يأخذ بعين الاعتبار السمات الأخرى في كل فئة، مثل: مستوى التعليم و الحالة الاقتصادية و الاجتماعية، و يصلح للاستخدام أساسا في حالة دراسة الفئات العمرية كمتغير وحيد في السمات الديمغرافية في علاقتها بالسلوك الاتصالي[5]. 
 
السمات المكتسبة

هي تلك الخصائص القابلة للتغيير، مثل: اللغة، الإقامة، الوظيفة، الدخل، وكل ما يتعلق بالمستوى الاجتماعي[6].

مثال عن مستوى التعليم تمكن دراسة هذه السمة من تحديد مستوى المعارف و الخبرات، التي قد يتحصل عليها الفرد من خلال أسلوب التعليم المنظّم في الدولة، نظرا للتأثير المدرسي على الفرد من حيث التعليم و التربية و التنشئة الاجتماعية، التي توجه السلوك تجاه الرسائل الإعلامية، و الذي يتباين بتباين المعرفة المكتسبة في مختلف المراحل التعليمية، و يعتبر إدماج فئة الأميين الذين لا يقرؤون و لا يكتبون، ضرورة موضوعية في مجتمعات ترتفع فيها نسبة الأمية و يرتفع تمثيلها في عينة البحث، لأن هذه الفئة لا تقرأ الصحافة، و لكنّها تتعرض إلى الصور و تذهب إلى السينما و تشاهد التلفاز و تستمع إلى الإذاعة، و قد ظهر نوع جديد من الأمية في مجتمع الإعلام و المعلوماتية التي قضت نهائيا على الأمية التقليدية، يتمثل في فئة الذين يجهلون لغة المعلوماتية، و فيما يلي أهم فئات المستوى التعليمي:

  لا يقرأ و لا يكتب.

  يقرأ أو يكتب "فئة الذين تعلموا خارج النظام المدرسي، بفضل برامج الأمية مثلا أو المساجد".

  المرحلة الابتدائية.

  المرحلة المتوسطة.

  المرحلة الثانوية.

  المرحلة الجامعية.

المرحلة العليا "ما بعد التدرّج"[7].

أما بالنسبة للحالة الاقتصادية "الدخل" فهي تحدد قدرة الأفراد على اقتناء الوسيلة الإعلامية... و لذلك تنال اهتماما كبيرا في وصف الجمهور، لارتباطها الوثيق بتخطيط الحملات الإشهارية، بالإضافة إلى أنها تعكس الوقت المتاح للقراءة أو الاستماع أو المشاهدة، و للتفرقة بين مستويات الدخل يلجأ الباحثون عادة إلى أحد الخيارين:

وضع مستويات ثلاثية أو خماسية تعبر عن الحالة الاقتصادية، مثل:*عالية، *فوق الوسط، *متوسطة، *تحت المتوسط، *منخفضة[8].

وصف المؤشرات الدالة على الحالة الاقتصادية، مثل الدّخل "10آلاف دج"، "من10إلى20ألف دج"، "من20إلى30ألف دج"...الخ. أو عائدات الوظيفة المعروفة: كاتب، مدير، رئيس مؤسسة، أستاذ...الخ، نوع المسكن و حجمه...[9]

إن السمات الديمغرافية هي أكثر السمات استعمالا و شيوعا في علاقتها بأنماط السلوك الاتصالي، لكنها ليست الوحيدة فيلجأ الباحث إلى سمات أخرى تتفق مع طبيعة البحث و أهدافه

   وقد أصبح لهذه السمات دلالات اجتماعية منذ أن لاحظ  روبرت ميرتون (Merton, 1957)، أن عناصر بعض الفئات مثل فئات السن، والنوع والتعليم والدخل،  يمكن أن تتماثل في سلوكياتها تجاه الرسائل الإعلامية في إطار العلاقة كلها أو بعضها بهذه السمات[10]. فهي تشكل اتجاها في بحوث الإعلام يهدف إلى تحليل تركيبة جمهور المتلقين لمعرفة أنواعه التي تميل إلى وسيلة إعلامية معينة في أوقات مختلفة ونوع المحتوى، وذلك لأسباب سياسية أو/ واقتصادية.

       ولقد انتشر استخدام هذه السمات من خلال الدراسات التي تقوم بها المراكز والوكالات والمؤسسات المتخصصة في التسويق التجاري والسياسي حتى أصبحت صناعة قائمة بذاتها في المجتمعات الليبرالية، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.

       وتستخدم الدراسات الإعلامية هذه السمات تبعا لطبيعة وأهداف أبحاث الجمهور، إلا أن فئات النوع، والسن،  ومستوى التعليم،  والدخل نجدها أكثر السمات الديموغرافية استعمالا نظرا لدورها في تكوين خبرات الفرد وموقعه في سياق حياته الخاصة والاجتماعية ونظرا لتأثيرها في شخصيته ونموذج سلوكه الاجتماعي بصفة عامة، وسلوكه الاتصالي بصفة خاصة[11].

       هذه السمات الديموغرافية الأربع، النوع والعمر والتعليم والدخل، هي أكثر السمات استعمالا وشيوعا في علاقتها بأنماط السلوك الاتصالي ولكنها ليست الوحيدة، فقد يلجأ الباحث إلى سمات أخرى تتفق مع طبيعة البحث وأهدافه، مثل الحالة العائلية (أعزب، متزوج،  أب ، أم)،  أو مكان الإقامة ( مدينة، ريف)، أو اللغة ، أو مكان الميلاد وغيرها من السمات التي تهتم بها الإحصائيات ومراجع علم الاجتماع والسكان. 
السمات السوسيولوجية ، الاجتماعية[12]

وبخصوص السمات الاجتماعية، يتعلق الأمر أساسا بالزاوية التي ينظر منها إلى جمهور وسائل الإعلام: هل هو مجرد حصيلة لعدد معلوم أو غير معلوم من الأفراد يشتركون في تعرضهم لرسائل إعلامية معينة تنقلها لهم وسيلة إعلامية معينة،  أم هو جماعة اجتماعية تختفي فيها بعض السمات الخاصة بالأفراد وتحكم سلوكياتها ضوابط ومعايير اجتماعية أكثر منها فردية؟

في سياق هذا الاتجاه السوسيو-ديموغرافي، كرس الباحث السوسيولوجي الأمريكي إينيسEnnis 1961)) جهداً معتبراً في البحث عن سمات الجمهور السوسيولوجية التي تنطبق على الجماعة ووضع عددا من السمات التي حاول الباحثون الإعلاميون تطبيقها على جمهور وسائل الإعلام. وكانت نقطة البداية في محاولة إينيس أنه ميّز بين الحدود الظاهرية لأي تجمع وخصائص البنية الداخلية (Internal Structure)، فإذا انطبقت على جمهور ما مواصفات جماعة موجودة مسبقا ( جمهور عام، أعضاء حزب، جمعية، أو مجموعة محلية...) اكتسب هذا الجمهور خصائص البنية الداخلية للجماعة، مثل الحجم، درجة الالتزام، الاستقرار في الزمن...، ولما كان من المتعارف عليه أن استعمال وسائل الإعلام المحلية يؤدي دورا في تدعيم الترابط والانسجام بين أعضاء مجموعة محلية، فإن إدخال وسيلة جديدة من شأنه أن يساعد على تدعيم التضامن بين أعضاء الجماعة المحلية، ويضفي على هذا التضامن نوعا من الاستقرار والديمومة. فما هي، إذن، خصائص البنية الداخلية للجماعة التي يمكن أن تتدخل في تكوين الطابع الاجتماعي لجمهور وسائل الإعلام؟

وضع هذا الباحث السوسيولوجي منذ بداية الستينيات ثلاثة جوانب رأى أنها حاسمة في تحديد الطابع الاجتماعي لسلوك أي جماعة عممها كتاب وباحثون إعلاميون بعده على جمهور وسائل الإعلام، ولو بدرجات متفاوتة، وهي على النحو التالي[13]:

التمايز الاجتماعي (Social differentiation)

التفاعل الاجتماعي(Social Interaction)

أنساق الضبط المعيارية (Normative Control Systems)

التمايز الاجتماعي

       ينبغي في هذه المرحلة، مرحلة مناقشة خصائص البنية الداخلية للجمهور، تأجيل التطرق إلى مسألة الإشباع الاجتماعي لمختلف فئات الجمهور وكيفية تكوينها إلى حين مناقشة طبيعة دراسات الجمهور في هذا الفصل النظري. ويجدر بنا، هنا، التمييز بين نوعين من المعطيات: معطيات تتعلق بالعوامل "الظاهرية" للجمهور كشكل من أشكال التجمعات البشرية، والتي لخصها بلومر وميلز (Blumer 1939, Mills 1956) وآخرون (McQuail 1984) في الحجم الواسع، وعدم التجانس،  وعدم التعارف، والتباعد المكاني، وغياب التنظيم والرقابة الاجتماعية، ومعطيات تخص "خصائص البنية الداخلية" التي سماها إينيس(Internal Structure Proprieties)، حيث ينبغي التمييز عند الحديث عن التمايز الاجتماعي فيما بين أفراد الجماعة، بين مفهوم إشباع الحاجات (Gratification) كما وضعها كل من كاتز ولازارسفالد (Katz, Lazarsfeld) وبين الاختلافات الاجتماعية لأفراد الجماعة عند إينيس.

   فإشباع الحاجات يخص دراسة الجمهور للكشف عن حاجياته التي يتعين على وسائل الإعلام إشباعها، أما التمايز الاجتماعي فيتعلق باختلاف الحاجيات لدى مختلف فئات الجمهور ولدى أفراد الفئة الواحدة من الجمهور.

       من هذا المنظور، فإنه يوجد دائما عند كل جمهور اختلاف في المصالح والاهتمامات وفي درجة الإدراك وفي الاستجابة للرسائل الإعلامية، أي اختلاف درجة التأثير، وبالتالي فإن سلوك جمهور ما تتحكم فيه العوامل التي تتدخل في تشكيل السلوك الاجتماعي العام للجماعات الاجتماعية. ولقد توصلت دراسات الاستجابة الشخصية والجماعية للرسائل الإعلامية إلى أن الجمهور يمكن أن تكون له بنية داخلية قائمة على استعمال وسائل الإعلام ومضامينها. غير أن هناك اعترافا ضمنيا بأن الفروق الملاحظة بين مختلف فئات الجمهور، وهي خاصية لبقية الحياة الاجتماعية، ليست نتيجة مباشرة لاستعمال وسائل الإعلام، رغم أن هذا الاستعمال يوفر فرصة للتعبير عن تلك الفروق أو يدعمها.

ومهما يكن من أمر، فإن الدراسات والأبحاث الأمبريقية التي أجريت على جمهور وسائل الإعلام، أثبتت وجود اختلافات "شكلية وجوهرية عند جمهور وسائل الإعلام المختلفة وعند جمهور الوسيلة الواحدة. ويمكن تلخيص هذه الفروق فيما يلي[14]:

أ- اختلاف المصالح والاهتمامات (Interests, attentions): لقد أصبح بديهياً أن مصالح أفراد الجمهور من خلال استعمال وسائل الإعلام ليست متجانسة ولا متطابقة. وهذا ما يفسر جزئيا تنوع الرسائل الإعلامية في الوسيلة الواحدة وتنوع وسائل الإعلام الموجهة للجماعة الواحدة، ويحدد الدوافع والحوافز التي تدفع الجمهور إلى اقتناء وتفضيل رسالة إعلامية أو وسيلة إعلامية دون أخرى. وينبغي هنا التمييز بين إشباع الرغبات والتمايز الاجتماعي.

ب- اختلاف درجات الإدراك(Perception): يظهر التمايز الاجتماعي أيضا من خلال الاختلاف في مستوى الإدراك العقلي والحسي الذي يتوقف على التربية والتعليم والثقافة العامة، وهو يحدد الموقف تجاه الرسائل والوسائل الإعلامية وفهمها وتفسيرها. وقد أدى هذا التمايز الاجتماعي لأفراد جمهور وسائل الإعلام إلى ظهور مفهوم (قادة الرأي Opinion Leaders)، ونظرية "تدفق الاتصال على مرحلتين (Two Step Flow of Communication)، كما سيأتي ذكره بمناسبة الحديث عن النماذج التقليدية والحديثة لدراسات الجمهور.

ج- اختلاف مدى التأثير(Effects): لقد لوحظ أن الاستجابة لمضمون الرسائل الإعلامية يختلف أيضا من فئة جمهور إلى أخرى، ويختلف لدى أفراد الفئة الواحدة من الجمهور الواحد، نتيجة لجملة من العوامل تتعلق بالجمهور ذاته وبالرسالة والوسيلة والبيئة الاجتماعية والثقافية.

وبصفة عامة، فإن التمايز الاجتماعي لجمهور وسائل الإعلام ليس نتيجة مباشرة لاستعمال تلك الوسائل. فمثل هذه الاختلافات توجد عند أفراد كل جماعة قبل التعرض للرسائل الإعلامية، فهي موجودة عند أفراد العائلة وجماعة الأقران وتلاميذ القسم وطلبة الفوج الواحد وأعضاء حزب أو جمعية. كما أنها موجودة عند قراء جريدة، وعند مستمعي محطة إذاعية أو مشاهدي قناة تلفزيونية أو مستعملي شبكة الأنترنات، ولو أن استعمال وسائل الإعلام يدعم بروزها ويسهل دراستها. 

التفاعل الاجتماعي(Social Interaction)

تستدعي معالجة التفاعل الاجتماعي الذي يثيره التعرض لوسائل الإعلام، النظر إلى جملة من العناصر تتداخل بشكل بارز في توضيح هذه الظاهرة.

أ- اجتماعية سلوك الجمهور (Sociability of Audience Behavor): يختلف سلوك أفراد الجمهور تبعا لطبيعة الرسالة أو الوسيلة (Medium). ففريدسون (Freidson, 1953) على سبيل لمثال، كان قد استخلص منذ بداية النصف الثاني من القرن الماضي،  أي بداية دخول التلفزيون فضاء الاتصال، أن وسائل الإعلام أقحمت في جل نشاطات الحياة الاجتماعية حتى أصبح الناس ينظرون إلى أعمال فردية، مثل الذهاب إلى السينما، على أنها سلوك اجتماعي. فالتلفزة، على سبيل المثل، التي تشاهد وسط العائلة تعرض رسائل إعلامية يتفاعل معها أفراد العائلة ويتفاعلون مع بعضهم البعض لما توفره لهم من موضوعات للحديث وتبادل الآراء والأحاسيس، وربما تبني مواقف مشتركة[15]. بعض وسائل الإعلام، مثل الكتاب، يستدعي استعمالها العزلة عن المحيط الاجتماعي، وهي غالبا ما تفضل لذلك، ولكن نادرا ما تعرقل تفاعل الإنسان المستعمل مع آخرين من قراء الكتب، بل غالبا ما توفر موضوعا للنقاش المباشر أو غير المباشر خاصة بين القراء المشتركين.

ولقد توصلت عدة دراسات نظرية وأبحاث أمبريقية إلى نتائج تدعم الأطروحة القائلة بأن استعمال وسائل الإعلام هو أداة فضلى لتحسين العلاقات الاجتماعية وفي نفس الوقت توفر للأفراد حرية أكثر في اختيار العزلة الوجدانية بهدف التعويض(Compensation) أو إيجاد البديل الوظيفي (Substitute) لما يفتقدونه في حياتهم الاجتماعية.

ب- الاستعمالات الاجتماعية (Social Uses): أصبح واضحا أن استعمال وسائل الإعلام والاتصال، الجماهيرية منها خاصة، هو عمل اجتماعي أكثر من أي شيء آخر. وقد أنجزت عدة دراسات(James Lull , 1982 -David Morley, 1986 -1992) حول مشاركة أفراد العائلة في استعمال وسائل الإعلام منزليا، وتوصلت إلى وضع إطار يتجلى من خلاله الطابع الاجتماعي لاستعمال وسائل الإعلام. وقد سمي هذا الإطار " نمطية الاستعمال الاجتماعي Social Use Typology، تتضمن الجوانب البنيوية (Structural) والعلاقتية (Relational) والانضمام/التجنب (Affiliation/Avoidance) والتعلم الاجتماعي (Social Learning) والكفاءة/الهيمنة (Competence/dominance).

وتعني هذه الجوانب علاقات أفراد الأسرة، كبنية توفر خلفية مشتركة لبناء علاقات وتنظيم نشاطات وتوفير مواضيع للحديث وتكوين رأي مشترك، وأحيانا تبني موقفٍ مشتركٍ. كما أن الاستعمال الجماعي لوسائل الإعلام يدعم هذه العلاقات البنيوية ويوفر الفرصة لتبني الفكرة أو تجنبها حسب قناعة الفرد والجماعة ومدى قدرة هذا الاستعمال الجماعي على إشباع الحاجات الفردية والجماعية.

وفيما يتعلق بالتعلم الاجتماعي، ينصرف التفكير إلى التنشئة الاجتماعية وتعلم قواعد السلوك الاجتماعي الذي ينطلق من الأسرة، إذ أن استعمال وسائل الإعلام في الفضاء الأسري يسهم إلى حد كبير في تدعيم الانسجام الاجتماعي ككل، انطلاقا من العلاقات البنيوية الأسرية.

وبخصوص جانب الكفاءة/الهيمنة من هذه النمطية، يرى الباحثون أن استعمال وسائل الإعلام يعمل على توفير المعلومات الآنية التي تمكن بعض الأفراد بحكم تمايزهم من اكتساب كفاءات ومهارات جديدة يسمح استعمالها من التفوق على الآخرين وبالتالي الهيمنة عليهم وفقا لمبدأ الجدارة[16].

ج- العزلة الاجتماعية (Social Isolation): يتعلق الأمر هنا بخاصية استعمال وسائل الإعلام بمعزل عن الآخرين وبخاصة الاستعمال المفرط. وقد تم تفسير هذه المسألة من زاوية سيكولوجية على أنها شكل من أشكال العزلة الذاتية (Self Isolation) نتيجة الشعور بالحرمان أو الاستلاب (Alienation) وهي مظهر من مظاهر الهروبية ((Escapism  والانصراف عن الواقع الضاغط خوفا و/أو عجزا عن مقاومة الضغوطات الاجتماعية التي يفرضها الواقع المثقل بالهموم المتعبة بالنسبة للمفرط في استعمال الوسيلة الإعلامية بغية الهروبية. وقد دعم دخول التلفزيون الفضاء الإعلامي كوسيلة منزلية وبخاصة جماعية الاستعمال، هذه الظاهرة لواحد من هذه الأسباب أو لكلها. وتتجلى هذه الظاهرة بصفة خاصة لدى الأوساط المهمشة اجتماعيا مثل المرضى والعجزة والعاطلين عن العمل والفقراء والمتقاعدين وربات البيوت. وقد طرحت هنا مسألتان تبدوان متعارضتين: هل وسائل الإعلام تعمل في اتجاه مناقض للانسجام الاجتماعي وتحسين العلاقات الاجتماعية؟ أم أن الظروف الاجتماعية المتدنية هي التي تدفع إلى استعمال وسائل الإعلام لتدعيم العزلة الاجتماعية؟ في هذا الصدد، أثبتت الدراسات الحديثة أن الاستعمال المكثف لوسائل الإعلام يعمل في اتجاه تحسين التواصل الاجتماعي (Social Contact) وتطويره وأن الظروف الاجتماعية المتدنية هي التي تحرم الناس من استعمال وسائل الإعلام للتخفيف من حدة التوترات النفسية التي يتعرض لها هؤلاء المعوزون.

د- علاقة الجمهور/المرسل (Audience/Sender Relationship): إن الحديث عن التفاعل الاجتماعي عند الجمهور يحيل أولا إلى الاتصالات الشخصية بين الناس، ولكن الأمر هنا يتعلق بنوع من العلاقات الاجتماعية بين الجمهور والمرسل. يرى جل الباحثين الغربيين أنه من الممكن النظر إلى العلاقة الممكن إقامتها أو المحافظة عليها بين المرسل والجمهور من خلال وسائل الإعلام، من مستويين اثنين: عندما يحاول المرسل الاتصال بمستقبليه عن طريق رسالة إعلامية أو عند ما يحاول كل من المرسل والجمهور بلوغ نفس الأهداف عن طريق وسائل الإعلام.

ويمكن أن ينظر إلى هذه العلاقة أيضا من خلال علاقات وهمية، افتراضية، عن بعدية، يقيمها أفراد من الجمهور مع شخصيات أو نجوم إعلامية أو فنية مسوّقة إعلاميا (Médiatisées). وقد سمي هذا النوع من العلاقات ب " شبه التفاعل الاجتمـاعي Para Social Interaction"[17]. وعلى الرغم من صعوبة الدراسة العلمية لمثل هذه الظاهرة، فإنها تزداد اتساعا حيث أصبحت ظاهرة مألوفة تماما من خلال الأوهام التي تخلقها لدى فئات من جمهور المسلسلات "الصابونية" والأفلام الخيالية وأفلام المغامرات بجميع أنواعها ونجوم الموسيقى وغناء الراي والبوب و الراب، حيث يتحدث بعض الأفراد عن نوع من العلاقة مع النجوم بكيفية يصعب في أغلب الأحيان الفصل بين الخيال والواقع، وخاصة مع انتشار شبكة الأنترنات والإقبال على مواقع الدردشة ونوادي الحوار التي تخلق نوعا من العلاقة شبه واقعية، حيث أن التواصل يتم فعلا عن طريق الصوت والصورة والكتابة في الوقت الحقيقي الذي يعني أن يقوم جهاز المودام (Modem)المتصل بالحاسوب وخط الهاتف الثابت بتحويل الحروف والصور والصوت إلى قيم رقمية تنقل بسرعة البرق إلى جهاز الديمو(Demo) لدى المتلقي الذي يقوم بتحويلها إلى قيمها الأولية. ويمكن أن يطلق على هذا النوع من العلاقات"التفاعل الاجتماعي الافتراضي"، أو"التفاعل الاجتماعي الإليكتروني" (Virtual Social Interaction)، أو(e-Social Interaction) و هذا النوع من العلاقات يؤدي إلى ما يسمى في علم النفس الإجتماعي "بالتماهي" Identification،حيث يصبح المتلقي يتماهى أو يشبه نفسه ببطله المفضل في السلوك و الملبس و الهيئة إلخ... 

أنظمة الرقابة المعيارية Normative Control Systems

 إن وجود أنظمة معيارية متعلقة باستعمال وسائل الإعلام، تبدو للوهلة الأولى متعارضة مع الرأي القائل بأن وسائل الإعلام وجدت لنشاط إضافي لملء أوقات الفراغ، حيث يعتقد الأستاذ عزي عبد الرحمان، أن "طبيعة هذه الوسائل(السمعية البصرية) ترفيهية تخاطب الجمهور وهو في حالة استرخاء آخر النهار." مضيفا " تاريخيا ارتبط ظهور هذه الوسائل جزئيا بالحاجة إلى ملء أوقات الفراغ بعد انخفاض ساعات العمل بفضل التطور التكنولوجي"، وهي بالتالي ليست لها التزامات اجتماعية.

 ومما يزيد في هذا الاعتقاد أن استعمال وسائل الإعلام هو نسبيا غير مراقب مقارنة بأنواع أخرى من المؤسسات الاجتماعية. كما أن أبحاث الجمهور لا تتناول غالبا وجود أنظمة قيم اجتماعية تنظم "سلوك وسائل الإعلام" (Media Behaviour) بطرق مختلفة: أولا، هناك قيم تحكم المحتوى وتفرق غالبا بين محتوى هذه الوسيلة ومحتوى وسيلة أخرى وفقا للسياق. ثانيا، هناك تقييم لمختلف وسائل الإعلام والوقت الذي يُخصّص للتعرض لها مقابل الاستعمالات الأخرى للوقت. ثالثا، يتوقع الجمهور أن لمنتجي وموزعي وسائل الإعلام التزامات عقدية اجتماعية بتقديم بعض الخدمات العمومية.

إن القيم المتعلقة بالمحتوى مستمدة أساسا من الأحكام التقليدية التي تتضمنها الثقافة السائدة وتعاضدها المؤسسات التربوية والأسرية والدينية. وتنطبق هذه القيم أولا على بعض الأنواع من المحتوى، حيث يفضل الجمهور، خاصة الآباء أن توفر هذه الوسائل الإعلام والتعليم والتربية والأخلاق على أن تقتصر على التسلية والترفيه والثقافة المبسطة والمبتذلة التي تحتويها الرسائل التلفزيونية والأفلام السينمائية ومواقع الواب أكثر مما تتضمنه الصحافة والكتب. ومن هنا، فإن الآباء يميلون إلى تحديد استعمال التلفزيون أكثر من قراءة الصحف والكتب. والأمر هنا يتعلق أكثر بمعايير تفرض على الاستعمال العائلي لوسائل الإعلام، لمقاومة التأثير غير المرغوب فيه (Unwanted Influence).

عموما، ينتظر الجمهور من وسائل الإعلام أن توفر له الإعلام والتعليم والترفيه في تطابق تام (Conformity) مع قواعد الذوق الرفيع. ومن جهتها، تعتبر وسائل الإعلام التي تعمل في ظل المبادئ الليبرالية، هذه المطالب نوعا من الرقابة الاجتماعية على نشاطها وخرقا لحريتها وتعدٍ على مبادئ " سوق الأفكار الحرة (Free Market of Ideas)"، الأمر الذي أدى إلى التفكير في وضع معايير توافقية طبقا لنظرية المسئولية الاجتماعية، والتي تمخض عنها إنشاء مدونات قواعد الأخلاق المهنية تنظم السلوك المهني وفقا لقيم مشتركة تم قبولها إجمالا على مستوى قطاع إعلامي أو على مستوى وطني أو على صعيد دولي[18] 

خاتمة:

   لقد حاولنا في بحثنا هذا تلخيص أهم السمات التي يجب على الباحث في علوم الإعلام و الاتصال، و خاصة دراسات الجمهور الإطلاع عليها ـ السمات العامة لجمهور وسائل الإعلام ـ و ذلك لما لها من ثأثير على سلوك الجمهور إزاء الرسائل الإعلامية و كيفية تلقيها. 

المراجع:

1.   علي قسايسية: دراسات جمهور وسائل الإعلام، الوسيط في الدراسات الجامعية، الجزء 2، دار هومه، الجزائر،2003، ص58.

2.   علي قسايسية، المنطلقات النظرية و المنهجية لدراسات التلقي- دراسة نقدية تحليلية لأبحاث الجمهور في الجزائر، (أطروحة دكتوراه)، جامعة الجزائر، سنة 2007، ص ص 63 64.

3.   محمد عبد الحميد: دراسات الجمهور في بحوث الإعلام، عالم الكتاب، القاهرة، 1993،ص36.

Partager cet article
Repost0